هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 929
تنشئةُ المواطِن على المواطَنَة *
السبت 27 شباط 2016

صادقةٌ نيّةُ وضْع “استراتيجية وطنية للتربية على المواطَنَة والعيش معًا” كما تطمح “أَديان” و”المركز التربوي للبحوث والانماء” و”وزارة التربية” لـ”تعديل المناهج التعليمية في لبنان”.

لكنّ صدْقَ النيّة في مكان والآليّةَ في مكان آخر. المشكلة ليست إِهمالَ مناهج وضعَها المركز التربوي قبل 19 سنة خلاصةَ أَفكارٍ وضعها خبراء مختصُّون، بل عدمُ تطبيقها كما صدرَت.

العطبُ الرئيس في التربية الوطنية: تدريسُها نظريًّا في نصوصٍ يحفظها التلامذة ببّغائيًّا كأَيّ نصٍّ للاستظهار ولا مَن يُرشدهم إِلى إِلى تطبيقها عمليًّا في حياتهم اليومية. وهذا ليس ذنبَهم بل ذنْبُ مَن يُدرِّسون هذه المادة بشكلٍ تنظيريّ تهويميّ عوض أَن تكون مادةَ الحياة الحية والتطبيقِ المباشر من قاعة الصف إلى وَسَاعة الحياة.

تدريسُ السباحة لا يكون في الكتاب بل في الماء. وتدريسُ القيَم والسلوكيات لا يكون في الكتاب بل في إِظهارها ميدانيًّا، والتدريب على عيشها عمليًّا، وهو ما لا يحصل أَبدًا. وكيف يَحصل بَعد إِلغاء دُور المعلمين التي كانت (إِلى حَدّ معقول) تُدرّب المعلّمين كيف يعلّمون؟ كيف يُعلّمُ المادةَ مَن لم يتعلَّمْ كيف يعلّمُها؟ كيف يمكن الركون إِلى مَن يعلّمون التربية الوطنية والتنشئة المدنية ولا اختصاصَ أَكاديميًّا لهذه المادة ذات المضامين القانونية والأَخلاقية والتاريخية والمهنية والاجتماعية؟ وكيف يتعلّم التلميذ منها التصرُّف في حياته اليومية والمدنية والمواطنية إِذا كان يُدرِّسُهُ إياها مَن ليس في ثقافتهم الجامعية أَو حتى الثانوية أَيٌّ من تلك المضامين؟

السلوكيات والقيَم مهاراتٌ يكتسبُها التلامذة بالتصرُّف لا بحفْظ نصوص جامدة في كتاب جامد. بالتصرُّف يَـفهمون ذهنيًّا وعمليًّا أَمراضَ التطرُّف والطائفية، أُصولَ العلاقات مع السوى، ثقافةَ تَقبُّل الآخَر، علاقةَ المواطِن بالوطَن. وبالتصرُّف الميداني يكتشفون التنوُّع الثقافي والتعدُّد الديني بدون أَن يكونا على علاقة بالدين، أَيِّ دين. المواطَنةُ هُويةٌ مدنيةٌ قبل أَن تكونَ انتماءً دينيًّا، والمدارسُ العَلمانية توصِل تلامذتها إِلى المواطَنة من دون أَن تنزع عنهم انتماءَهم الديني أَو المذهبي.

هذه المهمة لا تقتصر على الكتاب المدرسي فقط، ولا على المدرسة وحدها، بل تَــوازيًا يتولّاها الأَهل كي لا يتناقضَ سلوكُهم في البيت مع ما يتعلّمه أَبناؤُهم في المدرسة.

         فلْيوكَل الأَمر إِلى خبراء اختصاصيين متنوّرين يَـبحثونه من المنظور العمَليّ. القيَمُ مبادئُ عملية، والسلوكُ تصرفاتٌ ميدانية، ومعظمُها يكتسبُه أَولادنا في الصف مُدمَجَةً مع سائر مواد العلوم المعرفية منذ سنوات دراستهم الأُولى، بالتدرُّب على الإِنصات، واحترام الآخَر، وحسْن التصرُّف معه، واكتساب القيَم الحياتية في المجتمع، فيكبَرون على هذه الـمَدَارك وتَدخل تلقائياً في أَخلاقياتهم.

وهكذا، من أَجل وطن مُعافى، تكون تنشئةُ الـمُواطن على الـمُواطَنة الـمُعافاة.

________________________________________

* “النهار” – السبت 27 شباط 2016