هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1238
“فليأْكلوا البسكوت”
الأَحد 10 كانون الثاني 2016

  • فليأْكلوا البسكوت“.

وتردَّد صوتُ ماري أَنطوانيت في صفُوف الجائعين إِلى الرغيف، غَضَبًا على صلَفِها ووقاحتها ولامُبالاتها إِزاء شعبها المسحوق بالبُؤْس.

وَسَرَت تلك العبارةُ مِثالَ الحُكْمِ القاهرِ شعبَه، الراتعِ في الرفاهِ على رؤُوس الناس المكسورين، الموغِلِ في الفَساد وفي قَضْمِه خيراتِ الدولةِ الطالعةَ من تَعَب المواطنين.

مطلعُ هذا الأُسبوع شهدَ زحفَ الـ”ﭬــلاديمير” على أَرضنا ثُلوجًا كثيفة وعواصف عنيفة وأَمطارًا رديفة، سبَّبَت أَعطالًا ومآسيَ وأَخطارًا ناءَ تحت أَهوالها بعضٌ من شعبنا. غير أَنّ أَهوال الطبيعة تبقى أَخفَّ لُؤْمًا وشراسةً وإِيذاءً من طبَقةٍ سياسيةٍ فاسدةٍ كم أَصاب رئيس الحكومة تمَّام سلام بِـنَعْـتها “نُفاياتٍ سياسية”، هو العارفُ كثيرًا ما خلْف وجوه بعض السياسيـين من فَسادٍ في الصفَقات، وهدْرٍ في النفَقات، واستخدامِ مناصبـهم ومسؤُولياتهم للضغط على كبار موظَّفين وصغار مرؤُوسين كي يُمَـرِّرُوا صفقةً أَو معاملةً أَو صرفَ حوالاتٍ بطُرُق ملتوية غيرِ شرعية وغيرِ قانونية.

يتحدَّثون عن الفساد في الإدارة، وهُم نموذجُ هذا الفساد.

يتَّـهمون الناس بالرشْوَة، وهم مشجِّعو هذه الرشوة.

يتَّــهمون الآخرين بالإِثراء غيرِ المشروع، وليس بينهم في المسؤُولية مَن لا يزال يدير أَعمالَه ومصالحَه ومعامِلَه ومصانِعَه عبر أَزلامه ومحاسيبه، ويتابعُ مجالسَ الإِدارة التي يترأَّسها، ولا يعطي من وقته للدولة إِلا النزْر الباقي مستفيدًا عبْره من المال العام لمخصصاته وحصانته وأَسفاره ومصالحه وإِغراقِ الدولة برواتب جماعاته ولو بدون عمل.

والأَنكى أَنهم يصرِّحون بأَسفَهم على الفساد في الدولة، وعلى الهدر في المال العام، وعلى الشُغُور في المراكز الحساسة، وعلى هشاشة الأَمن والأَمان، وعلى الوهْن في الحُكْم والضَعف في القيادة، وعلى اتّهامِ “الفريق الآخَر” بتعطيل المجلس النيابي ومجلس الوزراء، وعلى ما في الدولة من تَخَلُّع، بينما هُم في طليعة المسؤُولين عن معظم ما يجري في مفاصل الدولة.

كيف تَنهض الدولةُ بأَركانٍ معظمُهُم فاسدٌ موبوءٌ كذّابٌ يَجلُد الوطن بكرباج الخيانة ويتَّهم الآخرين بالخيانة؟

كيف تَنهض البلادُ من غَرَقِها ومَن يُفتَرَض أًنْ يُــنــهِضوها عائمون على رفاههم غافلين عن بؤْس الشعب وأَحواله؟

كيف يَشعُرون بِجُوع الناس وهُم مُتْخَمون في قصورهم وينصحون الناس بأَكْل البسكوت إِن نَفَدَ الخُبز في معاجنهم؟

تَحضُرني ماري أَنطوانيت وعبارتُها الوقِحة، ولكنْ أَيضًا تَحضُرني صورة ماري أَنطوانيت وهي واقفةٌ إِلى المقْصَلة، يداها مُوثَقَتان خلْف ظهرها، والشعبُ أَمامَها شامِتٌ غاضِب، حتى إِذا انفصل رأْسُها عن جسمها انفصَلت فرنسا عن آخر عهدٍ بائدٍ لتُولَدَ جمهوريةُ الحرية.

وسوف يَجيْءُ يومٌ يَشهدُ فيه لبنانُ مِقْصلةً ورُؤُوسًا تتدحرج، ووِلادةَ وطنٍ ليس بين حُكَّامه مَن يَداهُ مَوْشُومتان بِـعُـهْر الفَسَاد.