هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 914
كفانا نستجير بالخارج *
السبت 31 تشرين الأَول 2015

بين 50 موقعاً رصدَها تقريرُ المؤَسسة الأَميركية “الصندوق الدولي للتراث” عن مواقع تراثية أَو طبيعية “مهدَّدة بالإِهمال والزوال” في 36 بلداً من العالم، وَرَدَ لبنان في موقعَين: دالية الروشة تهدِّدها أَعمال “التطوير”، وقصر حنَينة في زقاق البلاط يهدِّده الإِهمال.

وفي التقرير أَنّ دالية الروشة “كانت علامة الحياة في المدينة منذ نحو 7000 سنة، وهي اليوم مَعْلَمٌ بارز عند كورنيش بيروت على فسحة جميلة تجمع تاريخ المدينة الاجتماعي الغني وذاكرتها الثقافية، ومناظرَ طبيعية: منها صخرة الروشة رمزُ شاطئ بيروت”.

أَما قصر حنينة فـوصفه التقرير بـــ”أَحد أَروع المباني في منطقةٍ كانت حديقةَ البورجوازيين خارج أَسوار بيروت القديمة”.

هكذا إِذاً: نَلجأُ دائماً إِلى مراجعَ وهيئاتٍ أَجنبية تُطلق الإِنذار فـنَـتَـنَـبَّـه إِلى فداحة ما يُقْدم عليه معوَلٌ مجرمٌ من دون رادع، لا يأْبه لقرارات تشريعية ولا لتصنيف تراثي ولا لقائمة وزارة الثقافة التي تَجهَد للحفاظ على البيوت الأثرية وتمنع هدْمها وتصنّفها في لائحة الحفاظ على الأَبنية الأَثرية. فإِطاحة المراسيم والقرارات والقوانين والأَنظمة والإِنذارات الرسمية باتت موقفاً “بطولياً” يسجّله مَن بلغَت بهم الوقاحة إِلى التعدي على الأَملاك العامة أَو مخالفة القوانين لتشييدٍ أَو بناءٍ أَو ترميم بدون وازع وبدون أَيّ احترامٍ لأَيّ رادع من الدولة.

وتنتشر هذه المخالفات في الخارج، وينشرها الإِعلام في الخارج، وينظر إِلينا الخارج على أَننا في سُلطة مائعة لا في دولة رادعة، ونهرعُ عندها نستجير بالقوى الخارجية تُعيننا على مشاكل البيت وأَهل البيت.

وما أَقوله عن واقع الأَبنية التراثية أَقوله عن واقعٍ سياسيّ قَذِرٍ نعيش فوضاه وتناهُشَ أَركانِه بعضَهم بعضاً وعرقَلَتَهم تقدُّمَ الدولة وشؤونَها ونموَّها، حتى استجَرنا بالخارج لينقِذَنا فَفَتحنا له بلادَنا ليَدخُل ويتدخَّل في الصغيرة والكبيرة، فأَخذ يمارس ضغطه ونفوذه حتى استولى على رئاسة الجمهورية فجعَلَها كُرَةً في ملاعبه يتحكَّم بها من مرمى إِلى مرمى، وسياسيُّونا دائخون: يستزلِـمون هنا، يستسلِمون هناك، يتوسَّطون هنالك، والوطنْ يـنـزف وقتاً وقهراً واقتصاداً في انتظار الخارج واتفاقاته وتحالفاته ومصالحه، ونحنُ في وسط الملعب كالولد مع خالته لا يملك النُضج الكافي لاتخاذ قرار.

وإِذا كنا إِلى هذا الحد تحت رحمة الخارج في القرار السياسي، فلْنتحرَّك داخلياً في الشؤُون الثقافية لحماية تُراثنا. وإِزاء تنبيه المؤسسات العلمية الدولية عليه، فلْنكن راشدين ونواكبْها بخطوات محلية تَرصُده بدون أَجنْدة مخفية تعرقلُه، وكفانا نستجير بالخارج، على الأَقلّ في شؤوننا الثقافية فنُبقيها خارجَ التجاذُب السياسي كي نستحقّ احترامَ العالم، ثقافياً، بـما نُحافظ عليه في ذاكرة التراث.

______________________________________________

          *) “النهار” السبت 31 تشرين الأَوّل 2015