هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 913
من يحمي بيروت من… “مُحِـبّـيـها”؟ *
السبت 24 تشرين الأَول 2015

        التي فتحَت قلبها منذ فجر التاريخ لأَعلام التاريخ، نقشوا حضاراتهم وثقافاتهم وتَوالي شعوبهم فجعلوها موسوعة الحضارة في الدنيا…

          التي أَحبَّها الشعراء جميلتَهم المعصومة وعاصمة أَحلامهم وعصمة قصائدهم، وانحنى على شطّها ننّوس (ق4م) يناجيها: “بهجة الحياة، ابنة البحر، مرفأ العشق، مدينة الجُزُر الرائعة والخُضرة الذائعة، جُذوة الحياة، مُرضعة المدن، ميدان العدالة، شرف الملوك، مليكة العالم منذ ابتدائه”…

أَين هي اليوم؟ وماذا فعلوا بها؟

          زنَّروها بحزام بؤْسٍ وفقر، وحوَّلوا شرايـينَها شوارعَ تظاهرات وتظاهرات مضادّة، وساحات اعتصامات وتخريبات، وأَزقّة مهجّرين ولاجئين وشحّاذين، وأَهانوها برعونةٍ وطيش واستزلام لأَعيان القبائل.

          فتحَت أَبوابها وآمنَت بالحرية والتحرير، فخلعوا أَبوابها بحجّة حرية التعبير.

          فتحَت مقاهيها ومطاعمها ومطابعها وجامعاتها فأَكلوا من خيراتها وغَنِموا من خدَماتها وشوَّهوا نهاراتها وعهَّروا لياليها وتركوها وحدَها آخر الليل أَسيرة الخيبة والأَلم.

          ما الذي فَعَلَتْه بيروت كي تستحقّ هذا المصير؟ ماذا اقترَفَـتْ حتى تنالَ الجلْد والرجْم والصلْب وكُرَات الحديد في قدَميها؟

          قدَّمَت صدرَها لتَنَفُّس الحرية فاجتاحها “حَرَاكيو” السياسة والأَحزاب والتيارات والهوبَرات والشعارات، أَقفلوا شوارعها، أَعلَوا حواجزها، سوَّروا تنفُّسها من أَجل طاولات حوار أَو اجتماعات أَقطاب، لم يبقَ مرتزقةٌ ولا زعران إِلاّ هاجموها وخانوها وأَهانوها، وهي وحيدةٌ تَغرق ويَضيق نَـفَسُها وتَصرخ مخنوقةَ الصوت وتَصبر ولا من يَهرع إِلى إِنقاذها من فؤُوس قراصنة البحار القريبة والغريبة.

          حين كان لها مَن يحميها كان الجميع ينحنون على أَبوابها وأَعتابها، بها يتغزّلون، فيها يحتمُون من طَرد بلدانها، وحين باتت بلا حمايةٍ استسْهَلَها الطائحون فتجمّعوا يَــئِــدُونها حيّةً، وما أَهونَ وأْد الناس أَمام وأْد المدُن في مطامر نفايات.

          أَلأَنها حرةٌ منذ ولادتها يعاقِبُها العبيد؟ أَلأَنّها صابرةٌ مَلُّوا من صمتها ورمَوها في المحرقة ولم يسمَعُوا أَنينها الوجيع؟

          من لها اليومَ يَنهضُ إِلى إِنقاذها؟ هل أَهلُها استسلموا واستقالوا أَن يكونوا أَهلَها؟

من يَشعر اليوم مع بيروت؟

          من يُــرعِدُ بصوته أَنّ بيروتَ واحدةٌ وحيدةٌ لا مثيلَ لها ولا بديلَ عنها ولا فراغَ منها؟

          ماذا ينفعُها رثاءُ الشعراء وندَمُ الشعراء وأَسفُ الشعراء حين لا يعودُ لها زيتٌ في قناديل الشعراء؟

          ما الذي ينفعُها التعويض عليها حين لا يَعود مكانٌ للعَــوَض؟

          هي بيروتُ أَيقونَتُنا، عصمتُنا وعاصمتُنا ومعصومتُنا، فلنهرعْ إِلى قلبها نَحميه من نَهش الدينوصورات. وحدَه قلبُها يَنبضُ بلبنان، ولن يَعودَ لنا لبنان إِذا سكَت قلبُها. فلا نبْضَ لنا إِلاّ من قلب بيروت، ولا كرامةَ لنا إِلا من جَبين بيروت، ولا نورَ لنا من الآن وإِلى الأَبد إِلاّ من نجمة بيروت.


          *) “النهار” السبت 24 تشرين الأَوّل 2015