هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1221
بيروتُ المحروسَةُ بأَبوابها بين الأَمس واليوم
الأَربعاء 16 أَيلول 2015

          عن عالم الآثار الفرنسي الكونت روبير دُو مِينِيل دو بْوِيسُّونRobert du Mesnil du Buisson أَنْ كانت لبيروتَ القديمة، في القرن الثامن عشر، سبعةُ أَبوابٍ مصفَّحةٍ بالحديد هي: بابُ السلسلة، بابُ الدبّاغة، بابُ السراي، بابُ أَبو النصر، بابُ الدّرَكَة، بابُ يعقوب، بابُ ادريس. وكانت الأَبواب تُفتح للداخلين إِلى المدينة والخارجين منها، بين شروق الشمس صباحاً وغروبها مساءً. وعند تلك الأَبواب كانت تلتقي العائلاتُ البيروتية تتبادل العمليات الاقتصادية والتجارية والمالية.

عدتُ إِلى هذه الصفحة من تاريخ بيروت المحروسة، وأَنا أُتابع من شاشات التلـﭭـزيون نهار الأَربعاء الماضي كيف علَت الأَسلاكُ الشائكةُ والتحصيناتُ الحديديةُ والعوازلُ والقواطعُ برجالِ القوى الأَمنية مدجَّجِين بكُلّ ما يَلزم من دفاعات، ضدّ متظاهرين أَحاطوا بساحة النجمة وساحة رياض الصلح مواكَبَةً لقاءً حوارياً يعقدُه داخل الـﭙـرلُمان رُؤَساءُ كُتَلٍ نيابية تسلَّلوا حَذِرين داخلَ سياراتهم الداكنةِ الزجاج “لِدَواعٍ أَمنية” ولحفْظ سلامتهم من غضبِ شَعبٍ كَفَرَ بهم ولم يعُد يؤْمن بواحدٍ منهم بعدما انفضَح عَجزُهم عن رفع كيسِ قُمامةٍ أَو صندوقِ نُفاياتٍ أَو خطةٍ لإِنقاذ البلاد من جَراذينَ مرشَّحةٍ للخروج من تحت أَكوام الزبائل زارعةً جميع أَنواع الأَمراض والأَوبئة والجراثيم.

يومها (الأَربعاء الماضي) صدَرت جريدةُ “النهار” بعنوانها الرئيس:” 9 أَيلول: زعماء مُحاصَرون خلْف بوابات حديدٍ وحوارٌ مهدَّدٌ بالانفراط وسْط تضارب الأَهداف”.

وَلَوْ! أَإِلى هذا الحدّ خافوا من غضَب المواطنين فَسَيَّجوا اجتماعهم بأَبوابٍ حديدية كما كانت بيروت القديمة داخلَ السور؟

         أَبواب بيروت القديمة كانت تحمي المدينة من اللصوص ووطاويط الليل المخرِّبين، فمِمَّن أَبوابُ بيروتَ الأَربعاء الماضي كانت تحمي رؤَساءَ الكتل النيابية؟ هل الشعبُ الغاضبُ لُصوصٌ ومخرِّبون؟ وهل باتت موضةً أَن تجتمع كتلُ ممثِّلي الشعب لينفرطَ اجتماعُها ويؤَجَّلَ إِلى موعدٍ آخر وقد يؤُجَّل إِلى مواعيد أُخرى فتاليةٍ فلاحقةٍ، كما تعوَّدْنا من اجتماعاتٍ لهم عقيمةٍ يشُدُّ فيها الحبْلَ كلُّ سياسيّ صوبَه ليُحَقِّق مآربه الشخصية والسياسية والانتخابية؟

أَبوابُ بيروت القديمة كانت تحمي المدينةَ وأَهلَها داخل السور. لكنّ أَبواب بيروت الحديثة تَحمي أَولياءَ العشيرة وتُحافظُ على طبقةٍ سياسية تَتَحَكَّمُ بالبلاد جيلاً سياسياً بعد جيلٍ يعِدُنا اليومَ بتوريث أَبنائه كي يُكملوا التَّحَكُّم بالبلاد في نهجٍ وراثيٍّ سافِر. إنما لن تُجدي حمايتَهم بعدَ اليوم أَبوابٌ ولا أَسلاكٌ شائكة إِن لم تكن حمايتُهم تلقائيةً في تطبيقِهم النظامَ واحترامِهم الدستورَ فيقومون بواجباتهم التشريعية والانتخابية والدستورية، وعندئذٍ يُحاصِرهُم الشعب كلُّه، لا ليَرميهم بالبيض والبندورة بل ليَرشُقَهم بالورود إِن يعملوا مُـخْلصين لإِنقاذ لبنان من الوقوع في الفوضى، وأَولُ خلاصٍ من هذا الوقوع أَن يحمِلوا صوتهم إِلى صندوقة الاقتراع وينتخبوا رئيساً للبلاد ما زالت تمنعُهم مصالحُهم الشخصية وشروطُهم الشخصانية من إِطلاق دخانه الأَبيض تحت قُــبّــة الـﭙـرلُمان.