هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 227
“أَسعد الله مساءَكم”
الأَحـد 28 حزيران 2015

Zaven Bookبين أَجمل اللحظات، عند قراءةِ كتابٍ، تلك التي تأْخُذُنا إِلى ماضٍ سعيدٍ من طفولتنا وصِبانا والشباب، ذِكرياتٍ وَوُجوهاً ومطارحَ تفوح من باقات الذاكرة لتنتشرَ في فضاء الحاضر عَـبَقاً نوستالجيّاً يُعيدنا إِلى ما كان في النسيان.

          زاﭬـين كيومجيان وُفِّق إِلى ذلك في كتابه الجديد “أَسعدَ اللهُ مساءَكُم100 لحظة صنَعَت التلـﭭـزيون في لبنان“، ففَتحَ شبابيك الذاكرة لدى آلاف اللبنانيين الذين لا يزالون يذكرون تلك الأُمسيات، منذ 1959، حين كان الانتظارُ يَسحَب النهار من أَطرافه كي يستعجلَ السهرة ويتحلَّق أَهلُ البيت والجيرانُ وضيوفُ البيت والجيران يترقَّـبون شارة “شركة التلــزيون اللبنانية” أَو “شركة تلــزيون لبنان والمشرق” ولا يغادرون إِلا متى أَعلنت شارةُ الختام نهايةَ السهرة.

          أَيامها كان التلـﭭـزيون حديث الناس، تَشغَلُهم حلقاتُ “أَبو ملحم” و”أَبو سليم” و”الدنيا هيك” و”بيروت في الليل” ونجيب حنكش، ومسلسلاتُ “آلو حياتي” و”حكمَت المحكمة” و”أَخْوَت شانيه” و”بَربَر آغا” و”مِن يوم ليوم” و”الضيعه بأَلف خير” و”البؤَساء” و”عازف الليل” و”ليالي شهرزاد”، وبرامجُ شوشو والفصح والميلاد، وسهراتُ الأَخوين رحباني وفيروز، وأَحاديثُ ليلى رستم وعادل مالك، ومنوّعاتٌ غنائية وبرامجُ تسليةٍ وترفيهٍ ومسابقاتٍ وهواةٍ و”سْتوديو الفن”، وأَفلامٌ مصرية وأَجنبية، وأُوَيقاتٌ ممتعةٌ كانت تـختصر ساعاتِ المساء بأَعذب اللحظات التي كانت انتظاراتِ الناس عندما يأْتي المساء.

          هوذا المناخُ الحنينيُّ الذي أَيقظَهُ هذا الكتابُ الأَنيقُ الطباعة والإِخراج، الغنيُّ بالصُّوَر والنصوص والوثائق، منفتحاً على قسمَين كبيرَين: أَوَّلُ لأَربعة عقودٍ منذ 1959 حتى 1989، والآخرُ للَحظاتٍ مئةٍ جعلَها المؤلِّفُ صانعةً تاريخَ التلـﭭـزيون في لبنان.

          ومَن يقرأُ هذا الكتابَ الجميل يستعيدُ مُشاهداتٍ في باله كان خالَهَا غابَت، من أَيام الأَبيض والأَسْوَد، ثم الملوَّن، ثم تنافُسِ المحطتين في تلة الخياط والحازمية، بقيَتا وحيدتَين حتى ولادةِ “المؤسسة اللبنانية للإرسال” في منتصف الثمانينات.

          ويعبَق الكتاب بالصُّوَر التي تعيد من تلك الأَيام السعيدة وُجُوهَ ممثِّلين وممثِّلاتٍ ومُغَنّين ومُغَنِّيات، وُجُوهاً غابت وأُخرى لا تزال على الشاشة حتى اليوم من تلك العقود الماضية يَسترجع فيها قارئُ الكتاب لحظاتٍ من ذاكرته تابعَ خلالها سياسيين وإِعلاميين، وفنانين كانوا هواةً في تلك الفترة وصاروا في ما بعد محترفِين مكرَّسين.

          هذا الكتاب ذاكرةُ التلـﭭـزيون في لبنان، منذ وضعَ حجرَ الأَساس لِـمَبناه في تلة الخياط رئيسُ الجمهورية عهدذاك كميل شمعون ومعه رئيس الحكومة سامي الصلح نهارَ 31 كانون الثاني 1958، حتى افتتاح شاشته في تمام الساعة 6:00 مساءَ الخميس 28 أَيار 1959، وكان لبنان سَبّاقاً رائداً في إِطلاق التلـﭭـزيون بين دول المنطقة، راح يَستقطب مُشاهدين ومُتابعين ومَوهوبين حتى بات شأْنَ الناس واهتمامَهم ومحوَرَ أَحاديثهم.

          ونُغلق هذا الكتاب لتنفتح في البال أَيامٌ بَنفسجيةٌ عرف زاﭬـين كيومجيان كيف يَزْرعها في حاضرنا باقاتِ صفحاتٍ ونصوصٍ وصوَرٍ هي في الرُكن النابض من ذكريات ذلك الأَمس الجميل.