هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1181
بين الغريزة الإِنسانية والغريزة الحيوانية
الأَربعاء 10 كانون الأَول 2014

 

          إِنه زمنُ العنف. العنف الأَعمى خارجَ كلّ زمن. العنفُ الذي لا رَبَّ له ولا دين، ولو ادَّعى أَنه لـربٍّ ينتمي وإِلى دِين.

          السبت الماضي سقطَ لنا شهيدٌ آخَرُ من جنودنا المخطوفين. مجّاناً سقَط، لا ذنبَ له ولا جُرم. لم يسقط في ساحة المعركة بل في باحة الخطف المجاني الذي أَدى إِلى ذبحه أَو رميه بالرصاص.

          وقبل أَيام شهدَتْ أَبو ظبي جريمةَ قتْلِ سيّدةٍ أَميركيةٍ لم تظهر دوافعُها بعد، والأَرجح أَنها جريمةٌ عنصرية ضد هُويّة المغدورة.

          وقبل يومَين وصلَني بالإِنترنت شريطٌ قصير فيه مشاهدُ إِرهابيين ينكّلون بضحايا أَبرياء وخادمةٍ أَجنبية تضرب طفل مخدومها بعنْف كاسر، وبين هذه المشاهدِ لقطاتٌ لـحيوانات مختلفة الأَنواع لكنها متآلفة، تعيش معاً في إِلفةٍ وسلام.

          في العادة أَن يقال عن ظالم أَو مُجرم إِنه تَصَرَّفَ بغريزةٍ حيوانيةٍ مجرمة، لكنّ هذه التسمية لا تنطبِق عموماً على الحيوانات لأَن الأَسدَ إِن لم يكن جائعاً لا يفترس، والحيةَ إِن لم تُدَسْ لا تؤْذي، والضبعَ إِن رأَى بصيصَ نورٍ هربَ فلا يهجُم على الإِنسان.

          إِنها المفارقة العجيبةُ بين الغريزة الإِنسانية والغريزة الحيوانية: الأُولى قد تكون بلا دوافع، والأَخيرة دوافعها ردّة فعل.

          وإِلاّ كيف نفسّر غريزةَ القتل الفرديّ البخس الدافع، أَو القتل الجماعي لشعب كامل بالغاز أَو البراميل المتفجّرة، في مقابل حصان ينكفئُ حتى الموت عند موت صاحبه، أَو كلبٍ لا يغادر جثّة سيّده إِن هو مات؟

          كيف نفسّر العنف المجاني لافتراس الإِنسان أَخاه الإِنسان بسكّين أَو مسدّس أَو منشار على عنق، إِزاء ما نراه في الغابات من عيشٍ واحد بين الحيوانات المتناغمة أَو المختلفة الأَنواع؟

          العنفُ الإِنساني افتعالٌ في معظمه، والعنفُ الحيواني انفعال في معظمه. أَهي غريزة البقاء؟ أَفْهَمُها بين حيوانات تصطرع لتعيش إِذا جاعت أَو هوجمت أَو دَفعَت غريزةُ الأُمومة أُنـثى الحيوان أَن تدافع عن صغارها. ولكن كيف يَقتُل الإِنسان إِنساناً من أَجل البقاء؟ وهل غريزةُ البقاء تفترض قتلاً فردياً أَو جماعياً؟ هل غريزةُ الحكْم تتحكّم بالحاكم كي يقهَر شعبه من أَجل البقاء في الحكْم؟

          إِنه زمنُ العنف. زمنُ الحروب الباردة والحروب السافرة والحروب التي تتهيَّأُ جمراً تحت الرماد.

          فهل البحثُ في حقوق الإِنسان، فرداً أَو شعباً، لا يزال مُـجْدِياً في عصر أَسلحةٍ للدمار الشامل تُقلِق الأَفراد والدول؟

          هل لا تزال في الممكن قنبلةٌ جديدةٌ لهيروشيما جديدة؟

          في السيكولوجيا أَن الطفل يظلّ يتصرف بغريزته حتى يبْلغ بضعَ سنواتٍ فيروح يتصرف بطبيعته الإِنسانية. فهل الغريزة مرحلةُ ما قبل الطبيعة؟ وماذا عن الحيوان الذي طبيعتُه غريزةٌ دائمة؟ أَيكون أَنّ غريزةَ الإِنسان أَقوى من طبيعته؟ وما الغريزة إِذاً؟ وما الفارق بين غريزة الإِنسان وغريزة الحيوان؟ أَيكون العنف هو المشترَك الوحيد؟ وماذا عن الحقد والضغينة والكُره والافتعال والثأْر والفعل وَرَدَّة الفعل وهي جميعاً من خصائص الإِنسان لا الحيوان؟

          إِنه زمن العنْفِ والعنفُ لا زمانَ له ولا مكان.

          وحدَه الوازع: عقلُ الإِنسان الواعي أَنّ العُنفَ لا يؤَدّي إِلا إِلى العنْف، ووحدَه العقل يؤَدّي إِلى التعقُّل.

          لكنّ للكثيرين من بني الإِنسان خلايا لم تبْلُغْ بعدُ إِنسانية الإِنسان، ولا تَستَحِقُّ أَنْسَنَتَها في منطق الحكمة.