هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 191
“اللحن الثائر- سيرةُ الأَخوَين فليفل”- محمد كريّم
الأَحَـــد 19 تشرين الأَول 2014

vdl_191_Fleyfel

في طبعة أَنيقةٍ متقنةِ الإِخراج والنصُوص والوثائق سَحابةَ 176 صفحة حجماً موسوعياً كبيراً تنتهي بأَربع أُسطوانات مُدْمجة داخل الغلاف الأَخير، أَصدرَت جمعية “عِرَب” كتاب اللحن الثائرسيرةُ الأَخوَين فليفل في قسمَين: أَوّل بيوغرافيّ للمخرج محمد كريّم بحثاً توثيقياً في السيرة والنتاج، والآخر تقني للعميد جورج حرُّو دراسةً موسيقية.

          انطلق محمد كريّم، وهو صديقُ الأَخوين محمد وأَحمد فليفل، من كونهما حقّقا أَربعة إِنجازات موسيقية تأْسيسية: 1) إِنشاءُ “فرقة موسيقى الأَفراح الوطنية”، 2) ريادةُ تلحين أَناشيد وطنية عزَّزت الروح الوطنية في الشعب، 3) تأْسيسُ “فرقة موسيقى الدرك اللبناني” (تحولَت “موسيقى قوى الأَمن الداخلي” وكانت نواةَ إِنشاء فرقة “موسيقى الجيش اللبناني”)، 4) إِنشاءُ منظومةِ أَغانٍ وأَناشيدَ تربويةٍ للنشْء الجديد رسَّخَت في نفوس الأَبناء قِيَمَ المفاهيم الخلُقية والوطنية.

          بهذه العفوية الطالعة من الفطرة انطلق محمد فليفل وأَخوه أحمد (يصغره بست سنوات) في رحلةٍ شاقةٍ قاوما فيها عَثْمَنةً كانت وسْع البلادِ أُغنياتٍ وأَناشيدَ تمدح السلطان والباب العالي، فأَسّسا نكهةً لبنانيةً صرفة، وجعلا الناشئة تردِّدُ شعراً كذاك الذي للأَخطل الصغير:

نحن الشبابْ لنا الغدُ … ومجدُهُ الـمُخلَّدُ… شعارُنا على الزمنْ… عاش الوطنْ.

أَو كذاك الذي لعبدالحليم حجار:

الفخرُ في بلادنا … والعزُّ باتحادنا… وعن ذُرى أَطوادنا والأَرْز لا تَسَلْ…

حبّذا لبنانْ جنّةُ الخلودْ    مهبطُ البيانْ تُربة الجدودْ .

أَو لجورج غريّب:

موطني صَرْح النسورْ… نفتديه بالصدورْ… أَرزُه العالي الجُسورْ… قد بلى كَــرَّ العصورْ .

أَو لسعيد عقل:

للنسورْ… ولنا الملعبُ… والجناحان الخضيــبان بِــنُــورْ: العُلَى والعربُ .

          ويمضي الكتابُ في سرد سيرة الأَخوَين فليفل وأَعمالهما وأَناشيدهما وكيف كانت ذات حِقْبة تتردَّد في كلّ لبنان، وتَفتتح بها المدارس نهاراتِها واحتفالاتِها، وكيف كان لهما فضْل اكتشاف صبيّةٍ ذاتِ صوتٍ خارقٍ اسمُها نهاد حداد جاءا بها سنة 1947 إِلى كَورَسِهما كي تغنّي “نشيد الشجرة” للشاعر محمد يوسف حمود “جنَّةٌ في وَطني من صباح الزمنِ” فدَرَّباها على أُصول الغناء وعلَّماها الإِنشادَ والتجويدَ القرآني وقدَّماها إِلى الكونسرفاتوار ثم إِلى الإذاعة اللبنانية حيث لفتَت انتباه حليم الرومي فسمّاها “فيروز” وعرَّفَها إِلى العازف الملحّن عاصي الرحباني فطار بها مع شقيقه منصور إِلى حيثُ غدَت اليومَ فوق كلّ وصف وأَبعد من كلّ لقب.

ممتعٌ جداً هذا الكتاب اللحن الثائرسيرةُ الأَخوَين فليفل لـما عَرَف محمد كريم كيف يُسلِس السرد البيوغرافي ويطرِّزه باستشهاداتٍ من تلك الأَناشيد التي كانت ملْء أَسماع لبنان والعَرَب، كما عَرَف جورج حرُّو كيف يحلّل أَعمالهما الموسيقية في دقّةٍ محترفة، ليخرُجَ القارئُ من الكتاب مغتبطاً بهذين الأَخوَين الرائدين محمد وأَحمد وبعدها سليم ابن محمد، وليبقى لنا في تراث فليفل ما يَجعلُ لبنان في صَدارةٍ موسيقيةٍ وريادةٍ فنيةٍ سجَّلَت لتاريخ الموسيقى قمةً عُليا باقيةً ما بقيَت نوطةٌ نبيلةٌ في بال عُود.