هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 179
“نواحي لبنان في القرن السادس عشر”- الدكتور عصام خليفة
الأَحَـــد 27 تـموز 2014

vdl_179_Liban au XVIe siecle

في 240 صفحة حجماً موسوعياً كبيراً تَمكَّن الدكتور عصام خليفة في كتابه “نواحي لبنان في القرن السادس عشر” (الصادر سنة 2004) من إِيجاز أَطلسٍ تاريخيٍّ لتلك النواحي قَـرْنَـئِـذٍ: تقسيماتٍ إِداريةً، تفاصيلَ ديموغرافيةً، أَدياناً ومذاهب، أَضافه إِلى مكتبة لبنان التاريخية التي تفتقِرُ في رأْيه إِلى دراساتٍ معمّقةٍ في الأَطالس التاريخية وخصوصاً في الحقبة العثمانية.

مصداقيةُ هذا العمل العلميّ استنادُه إِلى دفاتر التحرير العثمانية لدى أَرشيڤ رئاسة الوزارة في اسطنبول، وهي تحوي وثائقَ مَيدانيةً للمناطق اللبنانية في ذاك القرن، غاص عليها المؤَلّف مستطلعاً منها القانونَ المنظِّمَ الولاية، أَسماءَ القرى والمزارع في كلّ ناحية، أَسماءَ المدن واسمَ كلّ حيٍّ فيها، أَسماء الذُّكور الناضجين العازبين والمتزوجين، أَسماءَ المكلّفين بجمع الضرائب، تركيبَ العناصر السكّانية مع انتماءاتها الدينية والعرقية، ومعلوماتٍ اقتصاديةً عن أَنواع الضرائب وأَنواع الإِنتاج الزراعي والحيوانيّ والحرفيّ ووحدات الموازين والمكاييل إِلى معلوماتٍ دينيةٍ من أَديارٍ وأَوقافٍ ومساجد، دون ذكر أَسماءِ الأَولاد والنساء ولا انتمائهم الديني أَو المذهبي.

وكان الإِحصاء في دفاتر التحرير: مرّةً على أَساس اللواء وأُخرى على أَساس الولاية. وتوزعَت التقسيمات الإِدارية للنواحي اللبنانية على خمسة أَلوية: لواء طرابلس يضمُّ عرقا وعكّار وجزءاً من حصن الأَكراد وبشرّي وطرابلس والكورة وأَنفة والبترون وجبيل، لواء شام يضّمُّ بعلبك وكرَك نوح وقَورنة البقاع، لواء بيروت يضمُّ مدينة بيروت وجبل كسروان والجرد والمتن، لواء صيدا يضمُّ مدينة صيدا وشوف ابن معن وإِقليم خرنوب وإِقليم التفاح وإِقليم جزين، لواء صفَد يضمُّ العرقوب ووادي التّيم والشقيف وتبنين وبني بشارة. وفي كلّ لواءٍ تقسيمٌ داخليٌّ يحدّد اسم الناحية وعددَ القرى والمزارع فيها، ما يجعلُ الإِحصاء في تلك الفترة دقيقاً بعدّ مسحٍ ميدانيٍّ دقيق. وكانت الثوابت الجغرافية من جبالٍ وأَنهر وبحر أَساس صياغة التقسيمات الإِدارية.

إِذا كان النصُّ ضئيلاً في الكتاب فلأَنّ معظم صفحاته مخصّصٌ لإِحصاءاتٍ وخرائطَ وأَديانٍ ومذاهبَ في تلك الأَلوية الخمسة التي عمدَ المؤلف بعدها إِلى ثبْت مقارناتٍ بينها مفصِّلاً في كلٍّ منها الكثافةَ السكّانيةَ وتَوَزُّع الأَديان والمذاهب دروزاً وسُنّةً وشيعةً ونصارى ويهوداً.

بهذا النصّ المقتضَب، وبما تخلَّله وتلاهُ من خرائطَ ملوّنةٍ وإِحصاءاتٍ رقْميةٍ دقيقة، تَمَكَّن الدكتور عصام خليفة من إِخراج وثيقةٍ لبنانيةٍ دامغةٍ تُظهِرُ لبنانَ الجغرافيّ والديموغرافي في القرن السادس عشَر، عشيةَ دخول العثمانيين إِلى لبنان سنة 1516 وما تلاها، مشيراً إِلى الرُّسوخ اللبناني الذي قاوم النّكَبات والثورات وحروباً أَحرقَت منه الكثير ودمَّرت منه الكثير وهجّرَت منه الكثيرين، وبقيَ صامداً في وجه الريح يتلقّى أَبناؤُه عصفَ الفواجع ويظلُّون صامدين كجباله العنيدة.

وهذا ما مَيَّزَ – ولا يزالُ يُـمَيِّـز – الأُعجوبةَ اللبنانيةَ منذ فجر التاريخ.

__________________________________________________________

http://claudeabouchacra.wordpress.com/2014/07/31/