هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1155
“لولاكُم لَمَـا كُـنّا اليومَ هُـنا”
الأَربعاء 11 حزيران 2014

          … وشهِدَ شاطئُ النورماندي أَكبرَ عمليةِ إِنزالٍ عسكريٍّ بَحريٍّ في التاريخ قادَها الجنرال الأَميركي دوايت آيزنهاور (رئيس الولايات المتحدة في ما بعد: 1953-1961).

عند الثالثة فجراً رَسَت 2727 سفينةً حاملةً 15500 فرقة أَميركية و7900 فرقة بريطانية، وترجَّل على الرمْل الفرنسي جنودُ الحلفاء: أَميركيين وبريطانيين وكَنَديين وﭘـولونيين وبلجيكيين وتشِكُوسْلوﭬـاكيين ونَروجيين انضمُّوا إِلى الفرنسيين وشَكِّلوا قوةً ضاربةً من 200 أَلف محارب في وجه الأَلـمان والإِيطاليين وحلفائِهما الـمحتلِّين فرنسا. وبعد أَقلَّ من شهرَين كان على الأَرض الفرنسية في آخر تموز 1944 مليونٌ و500 أَلف محارب جاؤُوا يُحرِّرون فرنسا ويسجِّلون في الحرب العالَـمية الثانية نَصراً تاريخياً فريداً.

          تلك كانت الحملةَ التي غيَّرَت في تاريخ فرنسا فسقَطَ نَجمُ المارشال ﭘـيتان المتحالفِ مع الأَلـمان أَعداءِ فرنسا يومها وسَطَعَ نَجمُ شارل ديغول منشئِ فرنسا الحُـرّة، وغيَّرَت في تاريخ أُوروﭘـا فنَجَم عنها نشوءُ الأُمم المتحدة ومؤَسساتُ السلْم وتَجزئةُ أُوروﭘـا شرقيةً وغربيةً ثم تكامُلُها في اتّحادٍ أُوروﭘـي وقيامُ أَنظمةٍ على أَنقاض الاقتتال تَدعو إِلى السلام وإِنقاذ الإِنسانية من غُـول الحرب.

          كان ذلك قبل 70 عاماً… في 6 حزيران 1944.

          في 6 حزيران 2014، وبمرور 70 سبعين عاماً على إِنزال النورماندي، شهِدَت فرنسا احتفالاً شاركَ فيه 19 رئيس دولة على رأْسهم فرنسوا هولاند وباراك أُوباما وﭬـلاديمير ﭘـوتين والملكة إِليزابيت الثانية (الوحيدةُ الحيَّة بين أَهل الحكم من زمن الحرب العالمية الثانية وكانت فيها حاربَت كضابطةٍ شابَّةٍ في فرقة النساء البريطانيات) وأَعلنَت فرَحَها بلقاء محاربين قُدامى في سنِّها مُقَدِّرةً جهودَهم التي أَدَّت إِلى إِنهاء تلك الحرب. وكان أَيضاً بين أَعداءِ الأَمس وأَصدقاءِ اليوم المستشارةُ الأَلمانيةُ أَنـجِلا مِرْكِل والرئيسُ الإِيطالي جيورجيو ناﭘـوليتانو.

          هكذا الذكرى السبعون جمعَت مَن كانوا أَعداءَ الأَمس وباتوا اليوم أَركانَ أُوروﭘـا الـمُـوَحَّدة ويَعمَلُون على نشْر السلام.

          إِنها، من أَيام الحرب العالَـمية الثانية، تضحياتُ جيلٍ كاملٍ من أَجل الحرية وسلام الإِنسانية. لذا كانت لافتةً كلمةُ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للمُحاربين القدامى: “لولاكُم لَمَـا كُـنّا اليومَ هُـنا”.

          صحافةُ العالم اهتمَّت للحدَث، وصحافةُ فرنسا أَبرَزَتْهُ مع استعاداته التاريخية. وخصَّصَت له “الفيغارو” مُلحَقاً موسَّعاً استفْتَتْ فيه فرنسيين أَكْبَروا “جنوداً ضَحُّوا يومها بِحياتهم ليُنْقِذُوا فرنسا من مُـحتَلِّها الأَلـماني الطاغية”، وأَعربوا عن تقديرهم “مُـحاربين مَـجهولين جاؤُوا إِلى أَرض مجهولة يُحاربون أَعداء مَجهولين دفاعاً عن ناس مَجهولين”. ولعلَّ أَبلغَ ما صدرَت به “الفيغارو” (نهار الجمعة الماضي) اختيارُها (بين 1800 مُحاربٍ قديمٍ شاركُوا في الاحتفال) صورةَ مُـحارِبَين قديمَين يَتعانقَان: ليون غوتيـيه (91 سنة) وكان في الحرب عضواً في الكومُندُس الفرنسي، وجوهانس بورنر (88 سنة) وكان في الحرب مِظَـلِّياً في الجيش الأَلـماني.

قبل 70 سنة كانا عَـدُوَّيْن يَقتَتِلان، واليوم يعيشان صديقَين تحت سماء بلدةٍ واحدة: وِيسْتْرِهام في منطقة النورماندي.

قبل 70 سنة واجَهَا متحارِبَيْن أَهوالَ الحرب، واليوم يواجهان متصالِـحَيْن أَملاً بمستقبلٍ أَفضلَ لوَطَنَيْهما، ورجاءً لعالَـمٍ أَفضلَ متسامحٍ متصالحٍ يَنشُدُ السلام ويعمل لِـحُرية الإِنسان في كلّ وطنٍ وزمان.