هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 171
“من طَقْ طَقْ لَــ هَــلَّــقْ”- زياد مكُّوك
الأَحـــد 1 حزيران 2014

 

Ziad-Makkouk

          منذ عرّفني إِليه شوشو ذاتَ ليلةٍ في مقهى على الروشة، رُحتُ أُتابع حضورَه اللافت في أَعمال “الـمسرح الوطني” ساطعاً بحضوره، مُـحَـبَّـباً بلهجته البَيروتية، دينامياً بتحَرُّكه على المسرح، كأَنّه ما خُلِق إِلاّ ليكونَ مُـمثلاً مسرحياً. وذاتَ يومٍ قال لي إِنه سَعِدَ بالتمثيل في فيلم “سَـفَـر بَـرْلِـك” لكنه تمنّى أَن يكون له، ولو مرة واحدةً، دورٌ في إِحدى مسرحيات الأَخوين رحباني.

          هذا رجل مسكونٌ بالمسرح، هاجسُه المسرح، بدأَ على خشبتِه مُـمثلاً وواصلَ حتى حلمِه بإِنشاء مسرح سماه “مسرح الشعب” كأَنما ليُنفِّذَ وصية صديقه وزميله الكبير شوشو.

          ولم يكتفِ بالحُلم بل بَلْوَرَهُ في كتابه “من طَقْ طَقْ لَــ هَــلَّــقْ، وهو سيرةٌ ذاتية سرَدَ فيها حياتَه منذ ولادتِه في زقاق البلاط وطفولتِه في بيتٍ عتيقٍ مقابل قهوة أَبو عصام البرجاوي، فَتَذَوُّقِهِ ضَحِكَ الناسِ حوله حين يَروح في الجلسات والسهرات يقلّد الآخرين ويشعر بأَنه موهوبٌ في هذا التقليد الذي تابعه لاحقاً بمشاهدته “حكواتي الحي” خلال سهرات رمضان في قهوة أَبو عصام البرجاوي، فكبُر طموحه إِلى التمثيل على المسرح أَمام الجمهور حتى كانت فرصتُه الكبرى بانضمامِه إِلى فرقة شوشو محقِّقاً حلم الطفولة بالتمثيل، وانتشرَ في الوسط الفني اسم زياد مكوك ممثلاً ثانوياً تعهَّده المخرج محمد كريِّـم مؤْمناً بموهبته ورعاه حتى بات من أَبرز ممثلي “المسرح الوطني”.

          الممْتع في هذا الكتاب أَمامي من 224 صفحة قطعاً كبيراً، أَنه مكتوبٌ بلبنانيةٍ مَـحْكيةٍ أَضفت عليه عفويةً طيّبةً تُسْلِسُ القراءةَ في متعة اكتشاف التطوُّر لدى هذه الموهبة الأَصيلة.

          ومن صفحةٍ إِلى صفحة يتدرَّج الكتاب بين عمَلٍ وعمَل، وحكايةٍ وحكاية، بين المنحى الشخصيّ بأَخبار الفتى زياد وشيطناته، والمنحى المهنيّ مسرحيةً بعد مسرحيةٍ مع شوشو وما رافق تلك المسرحيات من وقْعٍ في تلك الأَيام السعيدة من بيروت النهضة الفنية الرائعة.

          بعد غياب شوشو سنة 1975 راح زياد مكُّوك يواصل الحُلمَ المسرحي بإِطلاق مشروعه “مسرح الشعب” استنجد بالخبراء لوضع خرائطه وأُسُسه وظروفه، ودار على المسؤُولين والمعنيين يعرض عليهم مشروعَه في حماسة المؤْمن بقُدسية المسرح وتأْثيره على الناس، وأَكثر من مرةٍ كتب يافطاتٍ ومشى في الشارع يحملُها وينادي بضرورة إِنشاء مسرح للشعب، وعلى إِحدى اليافطات كتب: “المظاهراتُ ميدانها الشوارع، والجماهيرُ ثقافتُها المسارح. مسرح الشعب لا يقام إِلاّ بمبادرةٍ فرديةٍ بعيدةٍ عن مشاكل الدولة المادية، وسوف يَصدُر كتابٌ يوزَّع مجاناً يحمل في طياته الحل لإِنجاح هذه المبادرة”.

          وصدر الكتاب حاملاً أَفكاراً وحُلماً بــ”مسرح الشعب”، وشهاداتٍ ممن آمنوا بزياد مكوك ومشروعِه الطَموح، بينهم سعيد عقل ومنصور الرحباني ومحمد بعلبكي وجبران تويني وطلال حيدر وجورج جرداق وأَمين الحافظ وأَسعد دياب وغازي قهوجي وجوزف حرب ومحمّد كريِّم ومحمد أَمين الداعوق وحسان حلاّق ومحمد المشنوق وسواهم مـمّن أَشادوا بحُلم زياد مكُّوك و”مسرح الشعب”. إنما، ويا لـجُرح القدر، مات زياد مقهوراً مرتين: أُولى لأَن المرض والفقر نَـخَـرَا حياتَه، والأُخرى لأَنه لم يجد بين أَهل الحُكْم من استجابَ لهذا الحُلْم الذي يضع لبنان على خارطة دولٍ تَعتبر المسرحَ رُكناً من وُجودها الحضاري.

          مات زياد مكُّوك ومات معه حلمه، وبقيَ كتابُه “مِن طَقْ طَقْ لَــ هَــلَّــقْ متواضعَ الشكل كبيرَ الطموح، شاهداً حياً على ذلك الحُلْم المكسور.