هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 168
“فخر الدين إِن حكى”- عزيز الأحدب
الأَحـــد 11 أَيار 2014

 

Fakhreddine

          لا يزال فخر الدين يجذب إِلى شخصه وعهده أَقلام المؤرخين يتناولونه بحماسة شوﭬـينية مرةً، ومراتٍ بموضوعية تاريخية.

          من هؤلاء: العميد الركن عزيز الأَحدب في كتابه “فخر الدين إِن حكى” الصادر سنة 1973 عن دار الكتاب اللبناني في 176 صفحة حجماً كبيراً، مُزَوَّداً إِلى النص بصُوَرٍ شاهدةٍ من تاريخ لبنان وآثاره العريقة.

          يفتتح الكتابَ نداءٌ افتراضي من فخر الدين ينادي اللبنانيين أَنْ “شَحَّ ولاؤُكُم لأَرضكم وكثُر انتماؤُكُم إِلى الخارج، وارتفعَت نسبةُ الأَغراب بينكم، وتعدَّدَت الفئات التي لا تدين للبنان، وأَصبح وطنُكُم مرتعاً لصراع الآخرين وميداناً للمنازعات السياسية”.

          ويفتتح البابَ الأَوَّلَ من الكتاب مقطعٌ بالفرنسية لشارل قرم جاء فيه: “قلَّ أَنْ عرفَت الأَرضُ بلداً صغيراً لكنه كبيرٌ بمقدّرات أَبنائه مثْل لبنان”. وفي هذا الباب إِطلالاتٌ على لبنانيّين كبارٍ تركُوا بصماتهم في صفحات التاريخ، وعلى معالِـمَ ومُدنٍ لبنانية كان لها وقْعها وحضورُها الحضاري في العالم القديم. ويركِّز المؤَلّف على مقوماتٍ للأُمّة اللبنانية التي يَرِدُ ذكْرها في قَسَم رئيس الجمهورية، انطلاقاً من الأَرض اللبنانية كَمِيزة جغرافية، ومن الشعب اللبناني كعرْق حضاري برعَ منذ القِدَم في بيروت وجبيل وصيدا وصُور وبعلبك وطرابلس وسواها حيثما ترك اللبنانيون تراثاً أَضاف على البشرية غنىً مستداماً.

          وفي الباب الثاني “لبنان كما يجب أَن يُعرَف” يبدأُ المؤَلّف من اسم لبنان ومعناه “الجبل الأَبيض” أَو “لُبْ أَنان=قلب الله” كما ورَدَ أَكثر من مرةٍ في ملاحم أُوغاريت، وينتقل إِلى اللبناني الأَوّل كما ظهرَت آثارُه في مغاور أَنطلياس التي تَدُلُّ بقاياها على موطن الإِنسان الأَوّل، فإِلى لبنان وطنِ الحرف الأَوّل وفيه أَنّ “جبيل عاصمةُ الكتابة في العالم” كما وصفَها جان مازِل في كتابه “مع الفينيقيين” الصادر عن منشورات لافون في ﭘـاريس سنة 1967، كي يصِلَ المؤَلِّف إِلى آثارٍ خالدةٍ على أَرض لبنان هياكلَ وقُصوراً ومعابدَ وقلاعاً بحريةً وبريةً ومُدُناً ومرافئَ أَقْلَع منها لبنانيون مميَّزون إِلى شواطئ العالم.

          ويخصِّص المؤَلف الباب الثالث لكبارٍ من عندنا مُسَـمِّـياً قدموس وأُختَه أُوروپ وموخوس ابن صيدا وإِليسا بنت صور بانية قرطاجة وفيتاغوراس وإِقليدس وزينون الرواقي، وأُولـﭙـيان وﭘــيــﭙــينــيـان معَلِّمَي بيروت مرضعةِ الشرائع، والإِمام الأُوزاعي وبهاء الدين العامليّ وجمال الدين التنُّوخي والحاقلاني والسمعاني وجرمانوس فرحات، وسواهُم وسواهُم وُصولاً إِلى فخر الدين.

          ويختم المؤَلف كتابَه بالتركيز على تراث لبنان ومقوِّماته وأَقوامه مُشيراً إِلى ضرورة نشْر هذا التراث العريق في المدارس والجامعات، وتأْسيس هيئاتٍ له تُسهم في بثِّه وشرحه وتفصيله للأَجيال الجديدة كي تَعي أَنها في وطنٍ ليس فيه صغيراً سوى حجمه الجغرافي لكنّ فيه إِرثاً تاريخياً يَذْكُرُه المؤَرّخون والجغرافيون والدارسون والباحثون، ويجدُر بأَبناء لبنان أَن يعرفوه، هم المنتشرون في أَصقاع الدنيا متفوّقين في أَرض الآخرين لكنهم حاملو إِرثهم العريق في حيثُما حلُّوا.

          كتاب “فخر الدين إن حكى” لعزيز الأَحدب مرجعٌ يَغْلُبُ عليه أَحياناً جُـمُوح العاطفة فَيَبْلُغُ حدّ المغالاة في توصيف لبنان واللبنانيين، إِنما تَبقى فيه خميرةٌ لوعْي الحقيقة اللبنانية في أَزهى عصورها وأَعلامها وإِرثها الكبير.