هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1150
بين الكلمة الـمدروسة والكلمة الـمدسوسة
الأَربعاء 7 أَيـــار 2014

 

في احتفالِنا أَمس الثلثاء بِــعيدِ شُهداء الصحافة الذين دفعوا حياتهم فداءَ قلمِهم الشريفِ الـحُـرِّ الرافضِ القهرَ والظُّلمَ فكَتَبُوا بدمائهم شَرَفَ المهنة ولُبنان، كنا نحتفل كذلك بـخَصيصةٍ تَضبُطُ معايــيرَها تُسمّى “أَخلاقيات المهنة”، كما في معظم الـمِهَن التي تتعاطى الشأْن العام.

          هذه الأَخلاقيات التي كم انْضَبَطَ بها شُهداءُ الصحافة والإِعلام، هي التي تُـحَدِّد الفارق الجوهري بين الـمُـراعاة والـمُـغالاة، بين الليُونة والرُّعُونة، بين التَّــغَــوُّر والتــهَــوُّر. وهذا الفارقُ هو الذي يَعصُمُ قلمَ الصحافي أَو عملَ الإِعلامي من الوقوع في مبالغاتٍ تؤَدّي به إِلى الـمحكمة أَو إِلى السجن أَو إِلى عقوبة العدالة.

          سوى أَن إِشكالاً يقع فيه الصحافيون والإِعلاميون، عفْواً أَو عمْداً، حين لا يُفرِّقون بين الحرية الإِعلامية والفوضى الإِعلامية، فيتركون كلماتِهِم، مَكتوبةً أَو مَسموعةً أَو مَرئيةً، تَسرح في مساحاتٍ يريدونها جُرأَةً فتَخرُجُ من لَدُنِهم شتائمَ واتهاماتٍ وافتراءاتٍ وهُجوماً ووقاحةً وعُهراً ورُعونةً وارتجالاً وتَسَرُّعاً بدون ضوابطَ ولا مسؤُوليةٍ ولا احتراف.

          أَمامنا نَماذجُ من كبارٍ في المهنة كانوا جريئين بدون تَهَوُّر، أَحراراً بدون رُعُونة، فتَعرضوا أَحياناً لِـمُساءلة العدالة أَو للسجن بسبب قَسوةٍ في طرحٍ أَو مقال. أَقول هذا وأُفكر في ميشال زكّور، وكرم ملحم كرم، وغسان تويني، وسليم اللوزي، وسمير قصير، وجبران تويني، وريشة ﭘــيار صادق، وسواهم مِـمّن كانت جرأَتُهم صاعقةً في الوسط السياسي لكنها بقيَت مضبوطةً بأَخلاقيات المهنة وضميرهم المهني المسؤول.

          أَن يقسو الصحافيُّ بضوابط، أَصعبُ كثيراً من سهولة استرساله إِلى الاتّهام الأَرعن والـمُهاجمة الفالتة غيرِ الـمسؤولة فإِذا طالَتْهُ الـمُساءلة صرَخَ وجماعتَه: “هذا تَــعَــدٍّ على الحرية الإِعلامية”.

          لا. أَبداً: هذه ليسَت حريةً إِعلامية. هذه هَرقة وهَرطقة وطَقطَقة جوفاء سهلةُ الكتابة سَفيهةُ الأَثر سلبيةُ النتيجة.

          الفرقُ كبيرٌ بين كشْفٍ صحافِـيٍّ مسؤُولٍ أَو سبَقٍ إِعلاميٍّ مهنيّ، وبين تَسَرُّعٍ كتابِـيٍّ أَو برنامج إِعلاميٍّ فضائحيّ. وهنا الفارقُ الجوهريُّ بين رُوّاد الصحافة اللبنانية، وطارئين على الصحافة مَهْوُوسين بالشتائم ظَناً منهم أَنهم يَستقطبون قُرّاءً ومستمعين ومشاهدين فيما هم يُثيرون الاشمئزاز والقَرَف ورفْضاً مَسؤُولاً لعملهم غيرِ الـمسؤُول.

          الحريةُ الإِعلامية مُكَرسةٌ ومُصانة، وحريةُ الإِعلامي مُركَّزةٌ ومُصانة، وحريةُ الكلمةِ الـمَسؤُولةِ مُقدَّسةٌ ومُصانة.

الـمُهِمّ هو التمييز بين الانضباط والانفلات، بين القَسوة والفَجوة، بين التحبير والتحقير، بين التأْثير والإِثارة، بين التصحيح والتجريح، بين السخرية والتهكُّم، بين إِصبع توما اليَقينيّ وإِصبع الاتّهام المجاني، بين الكلمة الـمدروسة والكلمة الـمدسوسة.

          ومتى وعَى الصحافـيُّ أَو الإِعلاميُّ هذه الضوابط، حُقَّ له أَن ينتفضَ على مَن يَـمَسُّ حريتَه الصحافية والإِعلامية، أَو على مَن يتَّهمه بالتعدّي، لأَن ضميره المهني عندئذٍ يكون هو الرادع الـمأْمول والوازع الـمسؤُول.