هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1141
… عِــلاجــاً فَــوريّــاً
الأَربعاء 5 آذار 2014

 

          مَؤَثِّـراً، ولو مُتَوقَّـعاً، كان تصريحُ الكاتبة/الممثلة/المخرجة الأَميركية أَنجيلينا جولي (سفيرةِ النوايا الحسَنة في مفوَّضية شؤُون اللاجئين لدى الأُمم الـمتحدة) بعد زيارتها في البقاع خيامَ اللاجئين السوريين، وتحديداً قولُها إِنّ “وضْعَ الأَطفال فيها يُـفتِّت القلب”. وزادت أَنّ “التَّشرُّد أَفقدَهم عائلاتِهم، والحربَ أَفقدتْهم طفولتَهم”. وكانت تلك زيارتَها الثالثة إِلى لبنان، بعد زياراتِها المتكرِّرة إِلى الخيام المماثلة في الأُردنّ وتركيا.

          وفي السياق نفسِه تصريحُ آنّا ماريّا لورِيني، ممثلة اليونيسيف في بيروت، أَنّ “بين اللاجئين السوريين نحو أَلف طفل يواجهون خطر الموت الداهم بسبب تهديد صامتٍ يهاجمهم هو سوء التغذية، عدا مياه الشرب غير الصالحة، وانعدام النظافة، وتَفَشي الجراثيم والأَمراض، والغذاء الفاسد، ونقص التلقيح… وبينهم أَطفالٌ على شفير الموت القريب إِن لم يتدارَكْهُم علاجٌ فَوريّ”.

          “إِن لم يتدارَكْهُم علاجٌ فَوريّ“… هنا تَكمُن المشكلة قَلْباً وقالَباً: العلاجُ الفوري.

          تصريحُ أَنجيلينا جولي وآنّا ماريّا لوريني فاعلٌ في كون صوتِهما يَصِل، لكنّ وصولَه قد – وأَقول: قد – يأْتي بِـمُسَكِّنٍ فاعلٍ، سوى أَنه باقٍ مُسَكِّناً وليس عِلاجاً فورياً ولا لاحقاً.

          فماذا يقدِّم مجلسُ الأَمن عند إِصداره قراراً غيرَ مُلْزِم؟ وماذا توفِّرُ منظمة الأُمم المتحدة حين تُصدر قراراً يَستنكر أَو يَشجُب أَو يَدعو الأَفرقاء إِلى التحلِّي بضبط النفس أَو بوقف الاقتتال أَو بالتمنّي على المتحاربين تجنُّبَ القصف على المدن الآهلة يسبّب تهجيرَ السكان إِلى مناطقَ أَكثر أَمناً، ما شَكَّلَ حتى اليوم نحو مليون لاجئٍ سوريٍّ في لبنان إِن لم يضِقْ بهم لبنان فهو عاجزٌ عن تأْمين وضْعٍ مريحٍ لهم بعد تَلَكُّؤِ المساعدات الدُّولية الموعودة عن الوصول إِليهم؟

          ما الذي يُعالجه الضميرُ العالمي؟ ما الذي يَفعله المجتمع الدولي؟ ما الذي تَجترحُه هيئةُ الأُمم؟ ما الذي يخطِّط له الخمسةُ الكبار أَو الثمانيةُ الكبار أَو العشرون الكبار، في مؤتمراتٍ دوليةٍ تَحتشدُ لها وسائلُ الإِعلام لتَنْشر في النهاية بياناً لا يَشفي نَصُّه طفلاً يموتُ على ذراعَي أُمه، ولا يُسْدي رغيفاً لولدٍ ذاهلٍ على باب خيمةٍ مَزَّقتْها الريح وأَغرقها بِــوُحولِه المطر؟

          وقد يخرُج ولدٌ من خيمةٍ فينظرُ إِلى البعيد الملبَّد بأَشباحٍ سُود، ويتساءل في صمتٍ جريح: مَن يَحكُم العالم؟ مَن يَتَحَكَّم بمصير الدوَل؟ شو يعني الدوَل الكبرى؟ وهل للحُكّام الكبار في دُوَل الكبار قلوبُ كبار؟ هل التَّسَلُّح والتسليح أَهمُّ من نقطة ﭘِـنِسِلين في ذراعِ رضيعٍ يموتُ من بردٍ أَو جوعٍ أَو لهيبِ حُـمّى؟

          وبعد لحظاتِ شرودٍ، قد يعودُ هذا الولَدُ إِلى الخيمة الـمُشَلَّعة، ينتظر أُمّه التي خرجَت منذ الصباح تَتَدبَّر رغيفاً ولو يابساً أَو تفاحةً ولو نصفَ مهترئة، ولم تَعُدْ بَعد، مع أَنّ أُمَهاتٍ أُخْرياتٍ رجَعنَ، وكنَّ يرتجفْن من الرُّعب جَرّاءَ الانفجار الذي وقَع قُرب الخيام قبل نَحو ساعتين.