هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

ندوة القصر البلدي- زوق مكايل- حول كتاب
“الياس أبو شبكة: من الذكرى إلى الذاكرة”
الخميس 2013/12/12

 

Abu Chabake COVERPages from INVITATION _Abu Chabke1

————————————————————————————–

كلمة أَنطوان سلامة في افتتاح الندوة عن كتاب هنري زغيبDSC_0181

“الياس أَبو شبكة… من الذكرى إِلى الذاكرة”

القصر البلدي – زوق مكايل – الخميس 12/12/2013

أَيها الحضور الكريم،

نقرأ الليلة في كتاب جديد للشاعر هنري زغيب عن الشاعر الياس أَبو شبكة، والاثنان دوماً متشوِّقان: أَبو شبكة يصبو إِلى المرأَة/الخلاص في كل تجليات عشقه الأَوّل والأَخير وما بينهما من لهيبٍ وأَفاعٍ، وهنري زغيب يُدمِن الحب ويلابسه.

من هاتين الإِلفة والمسامرة، عَنْوَنَ كتابَه الجديد “لكي تُحِبَّ أَتيت الأَرض… الياس أَبو شبكة من الذكرى إِلى الذاكرة”.

الحديث إِذاً عن شاعر صَبَا فهامَ في المكان والزمان.

هذا المكان بالذات، وهو مسرح حياة أَبو شبكة، يعود إِليه هنري زغيب كأَنه اشتاق إِلى مَن صعَدَ قبله وقبلنا مراتبَ الحب والهوى والكلَف ثم العشق والشغب. فمن يقرأُ كتاب هنري زغيب يلمح في الياس أَبو شبكة صورة العاشق الـمُشاغب، “الأَخْوَت” في لغة الزوقيين، و”الـمجنون” في لغة أَصدقائه الأُدباء.

ومن هذا المكان الذي عاش فيه أَبو شبكة تشُعُّ الحكاية في انتقالها من الذكرى إِلى الذاكرة. وهنري زغيب في كتابه يوازي تماماً متحفَ الزوق مسقَط الرأْس الذي أَنشأَتْه بلدية زوق مكايل بكل أَناقةِ النبض والحجر، فيعود الياس أَبو شبكة في هذا الكتاب إِلى دياره أَخيراً واضحاً لـمَن يراه بين السطور. فماذا في فصول الكتاب؟

الفصل الأَول: “صديقي الياس” – توثيقٌ لصورة الشاعر في نظَر من عرفَه وتحدَّث عنه. وفي الفصل إِضافاتٌ وتجسيداتٌ جديدةٌ ومقدِّمات حيَّة لسيرة تُكتَب.

الفصل الثاني: “العاشق” – يضع هنري زغيب الشاعر أَبو شبكة في عواصف حُبه. يجمعه في نصّ سرديّ مشدودٍ عصبيّ، فيضيءُ أَنواراً في سيرته، ويكشف المستور.

الفصل الثالث: “أَتيتَ الأَرض” – تتداخل فيه سيرتان، وفيه ظِلُّ أَبو شبكة يواكب قامةَ هنري زغيب في انسجام روائي.

الفصل الرابع: “ماذا يبقى اليوم من الياس أَبو شبكة؟” يُكملُ الفصلَ السابق ويفتح جدلاً.

وعلى امتداد الكتاب غنىً في صُوَرٍ ووثائقَ وزَّعها الكاتبُ والناشرُ (درغام) في أَلْبُومٍ حميمٍ أَنيقٍ جذّابِ التنسيق والتبويب والإِسقاط الـمُناسِب بـلا غُلُوٍّ، بل تدخل الصورةُ أَو الوثيقةُ في سياق التوازُن المدروس بين النص وذاكرته، فينسابُ الكتابُ رشيقاً في أَنيقِ الوشْي، ويتقاطع الشكلُ والمضمونُ في حواس القارئ، في دهشةِ بصَرِه ولـمْسِه، وأَكاد أَقول في سـمْعِه وشَـمِّه ولـمْسه، لأَنّ الحواس أَعضاءُ الإِدراك، لشدّة ما يقدِّم هنري زغيب شاعرَنا أَبو شبكة بشديدِ الحسّ وصادقِ الشعور ودقَّةِ المنطق.

ويُنهي هنري زغيب كتابه بسُؤال: ماذا بقِيَ اليوم من الياس أَبو شبكة؟ والسؤَال ضروريٌّ ونحن نقترب من اثنين وفاتِه في 27 كانون الثاني 1947. ولعلّ هنري زغيب يقصُد: ماذا يبقى اليوم من قصيدته؟

أَسئلةٌ قد نسمع أَجوبتَها من كبيرَين في الأَدب والشعر: الروائية إِمِلي نصرالله والشاعر محمد علي شمس الدين.

فإِمِلي نصرالله هي من جيل مؤسِّسي الروائية العربية، أَديبةٌ مبدعةٌ غزيرةُ الإِنتاج، طليعيةٌ، نوعيةٌ، ملتزمةٌ، أَصيلة، وروايتُها “طيور أَيلول” كتابُ القراءات الأُولى عند الأَجيال اللبنانية. والشاعر محمد علي شمس الدين قامةٌ شعريةٌ، وصوتٌ فريدٌ متجدِّدٌ تَغنى قصيدتُه بالأُصوليات الشعرية وتتحرَّر في صياغته الضبابية، فقصيدتُه تفترق عن أَبو شبكة زمناً لكنها تلتقيه مزاجاً وسبْكاً غنائياً والتزاماً بالجذور.

ضيفان كبيران يكبر بهما الليلةَ منبرُ القصر البلدي. أَهلاً بهما، وبالشاعر هنري زغيب في بيتِه الزوقيّ، وشكراً على كلّ ما أَعطاه لأَبو شبكة وللزوق وأَحلامها “النوفَلِيّة”.

—————————————————————————————

كلمة الأديبة إِملي نصراللهDSC_0265

عن كتاب “الياس أبو شبكة: من الذّكرى إلى الذّاكرة”

(القصر البلدي- زوق مكايل- 12/12/2013)

 

                                     هذا الكتاب/المتحف

هنري زغيب، الشاعر والصديق الوفـيّ للكلمات كما للناس: أَودُّ أَن أَبدأَ مداخلتي حول كتابك- المتحف بِــرَدِّ عنوانِه إِليك “لكي تُحِبَّأَتيتَ الأَرض”، لأَنّ الوصفَ ينطبق عليكَ وعلى أَفعالكَ وما يَصدرُ عنك. وحبُّكَ، كما إِخلاصُكَ، لا ينحصر بنوعٍ واحد، بإِنسانٍ واحد، بل يشمل كلَّ مَن عَرَفَكَ، ولامستْ كلماتُكَ إِحساسَهُ وأَيقظْتَ ذائقَتَه إِلى الشِعر والأَدب.

نلتقي هذه الأُمسيةَ كي نَستقبلَ معك هذا المولودَ الذي أَطَلَّ بعد حَمْل أَربعينَ عامًا أَو أَكثر، وجاءَ بأَنوارٍ وأَلوانٍ تُوقِظُ الذّاكرة، وتُعيدُ القارئَ إِلى زمانٍ أَبعدَتْنا عنه النوائب، ويُرجِعُ إِلينا وُجوهَ من أَذْكَوا الفكْر والذّائقة الأَدبية والفنية بوهْج عطائِهم، إِنْ في الشعر أَو في سواهُ من صُنوف الإِبداع.

كان الياس أَبو شبَكة مَنسيًا أَو شِبْهَ مَنْسيٍّ إِلّا مِـمَّن عرَفوهُ من أَهلٍ وجيران، وحتى ما صدر عنه من مؤَلَّفاتٍ في أَزمنةٍ تبدو بعيدةً، وهي ليستفي الحقيقة كذلك، لكنّ الأَيام الحاضرةَ وَارَتْها في أَدراج النسيان. فأَين كتابُ “الياس أَبو شبكة دراسات وذكريات” أَصدرَتْهُ “دار المكشوف” سنة 1948 في مرور سنة على غياب الشاعر وقدَّم له صاحبُ الدار الشيخ فؤاد حبيش ضامّاً فيه شهادات أَربعة وعشرين أَديبًا عاصروا الشاعر وعرفوه، أمثال ميخائيل نعيمه وبطرس البستاني وخليل تقي الدين وآخرين؟ وأين الدراسة القيّمة للأَديبة والباحثة الدكتورة نازك سابا يارد “الياس أَبو شبكة قلبٌ سَالَ شعرًا” صدَر عن “بيت الحكمة” سنة 1969، وسواهما ممّن ضمّنوا كتُبَهُم وأَبحاثَهم فصولًا عن هذا الشاعر فريدِ زمانه؟

ما حقَّقهُ الأُستاذ هنري زغيب في كتابه هذا، أَنه نَشَرَ مقابلاتٍ على مراحل، وشهاداتٍ حيّةً أَقربَ إِلى الاعترافات، وجمعَها من أَفواه وذاكرة أَصدقاء الشاعر ورفاقِه، تُشكّل بعضًا من أَجزاء كتابه الذي يضمّ أَيضًا حكايةَ العلاقةِ الفريدة التي تربطُه بالشاعر هي التي دَفعَتْه إلى ِالإِهتمام بشِعره وهو ابن جارة بلدته ومن جيران بيتِ جَدّه.

* * *

أَودُّ، في بدْء كلمتي، أَن أَعترضَ على عنوان فصلِ الختام في كتابِك “… وأُقفلُ الدائرة” إِذ إِني لدى قراءَتِه شعَرتُ بأَنّه المفتاح، وأَنّكَ من هناكَ بدأْتَ أَيُّها الشاعرُ الأَمين، وممّا علِقَ بالذاكرة واختمرَ في الفكر أَقْدَمتَ على اقتفاء آثار الشاعر الياس أَبو شبكة الذي كانت جدّتُك تسميه: “الأَخْوَتْ الْكان عنّا بالزوق” وخِشْيَتِها من أَن تَطلَع مثلَه: “هاك الْكانو يقولُولُو الياس بُو شَبْكِة”.

وتعترف أَنتَ بأَنّ تلك الكلمات العابرة من جَدَّتك: “حَوّلَتْ مجرى حياتي وجعَلَتْني أَهتدي إِلى حِرفة القلم”.

وكم كانت متابعاتُكَ صادقةً ومخلصةً، من تنظيمِكَ مهرجانات ذكراه السنوية، إِلى المشاركة في ندواتٍ ومؤتمرات، وما نَشَرْتَه في الصحُف والمجلاّت من مقابلاتٍ مع مَن عرفوه، حتى تكوَّنَتْ لديك على مدى أَربعين عامًا مادّةً كثيفةً تضُمُّها دفّتا هذا الكتاب.

ولا بدّ لي من العودة إِلى المقدِّمة أَو الدراسة المضيئة المكثَّفة عن الشاعر وعطائِه، تناولْتَ فيها، إِلى الشرح والإِضاءة على شِعر أَبو شبكة وعلاقته بعصر هو اختلافه عن معاصريه، سيرةَ حياتِه وعلاقاتِهِ (ولا أَقول علاقتَهُ) الغرامية التي يُجزّئها الكتاب إِلى أَربعة مراحل هي خُلاصةُ حياة عِشْقه ومصادرُ الوحي والإلهام، مؤكِّدًا، برغم كلّ الزوغان، أَنه “بقيَ على وفائه لغلواء” التي اسمُها الحقيقي أُولغا.

ولا بدّ لمن يريد الاطّلاعَ على سيرة أَبو شبكة، من الوجه الإنساني أَو التأثُّرِ الشعريّ، من أَن يطالع هذه المقدّمة الصريحة المبنيّة على تأْريخ حياة الشاعر التي بقيَت مفتوحةً لكل من شاء المعرفة، أَو كما يقتبس من شهادة صديقه الأَقرب فؤاد حبيش: “أَنه اندفع في دروب حبِّه الجديد اندفاعَ يافعٍ في الربيع الأَوّل، ما بالى بعَذول أَو رقيب، ولا بزَوج أَو قريب”.

* * *

وها نحن نلتقي اليوم قريباً من حارة الشاعر التي تمّ حفظُها وتجديدُها بفضل بلدية الزوق وسيّد إِدارتها الأُستاذ نهاد نوفل العين الساهرة على حفْظ غالي التراث. نلتقي لنتذكَّر الشاعرَ الفريدَ في عطائه كما في حياته، ونكتشفَ كم كان سابقًا عصرَه، مميَّزًا في أَعماله الشعرية كما في مزاجه.

هذه المناسبة دفعَتْني إِلى إِعادة قراءة أَشعاره وبعض ما كُتِبَ عنه، ويعود الفضلُ في ذلك إِلى أَخينا هنري الشاعر المبدع صاحب العينِ اليقِظَة، الواقفِ على أَبواب التراث الفكري والحضاري، كأَنه وحدَه مؤتَمَنٌ على إِحيائه والتعريفِ به ونشره للأَجيال الطالعة، خصوصًا منذ انتدبَ نفسَه قبل سنواتٍ لحراسة إِرث السلَف ونبش ما توارى من معالمه والتأْكيد على رُوَّاده وحَمَلة أَعلامه، وأَذكر خصوصًا إِدارته مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأَميركية حيث يدأَبُ على تنظيم ندواتٍ حول مَن يَستحقُّون التذكيرَ بهم، وتعريفَ الأَجيال الحاضرة بتراثهم، والوقوفَ مع باحثين ودارسين على أَعمالهم، وهذا عملٌ يستحقُّ التقدير إِذ يكاد أَن يكون فريدًا في عصر تغييب القيَم، ومحاولاتِ مَـحْـوَ أَسماء أَصحابها من مبدعين في شتّى المجالات.

شئتُ التنويه بما تقوم به، أَيها الأَخ هنري، إِضافةً إِلى إِنتاجك الأَدبي، لا لأُخْجِلَ تَوَاضعَكَ بل لأُذَكِّر بما تنشَطُ له منذ سنواتٍ، وخصوصًا تسليط الأَضواء على وجوهٍ غابت وكانت أَنوارَ أَزمنتها. وشهادتي تأْتي من معرفةٍ حقيقيةٍ ومن مُشارَكَتي في بعض تلك الندوات التي، لو لم تنهضْ لها، لبَقِيَتْ في خبر كان.

***

وها أَنتَ اليوم تتصدّى لهذا العَلَم المتفرِّد بين الشعراء، وإِعادةُ قراءَته تَجعلُنا نُدرك كم كان متقدّمًا على زمانه، وسابقًا عصرَه وأَوانه: الياس أَبو شبكة، شاعرُ العشق والهيام، صاحبُ “غلواء” و”وردة” و”هادية” و”ليلى”، هو الذي لم تُدَجِّنْه تقاليدُ مجتمعه بل ظلَّ بُلبلاً غرّيدًا فوق باسقات الأَنغام: الشِعر دِينُهُ، والمرأَةُ المعشوقة بانيةُ قصائده، وخارجَ تلك الدائرة تَزوغ سائرُ الكائنات.

وأَعود إلى كتابك الفريد الذي نلتقي في عَبَق عطره هذه الأُمسية “لكي تُحِبَّ أَتيتَ الأرض- الياس أَبو شبكة من الذّكرى إِلى الذاكرة”، ولا تتّسع وِقفة واحدةٌ أَو كلمةٌ لاستيعاب محتوى هذا الكتاب الذي يستحقُّ دراسةً مكثّفةً وعميقةً أَتركُ أَمرَها لسواي وللمستقبل (إن بقي في المستقبل قُــرّاءٌ لكنوز لغتنا العربية).

أَبدأُ من الصفحة الأُولى، من الإِهداء الذي يكادُ يكونُ قصيدةً تُضاهي أَعمالَ مَن تتناوله الدراسة.

وتجيءُ المقدِّمةُ لتُعَــرّفَ بالشاعر وبشِعره، وتسلّطَ الأَضواء على ما تَـمَيَّزَتْ به أَعماله، وتصِفُهُ في شتّى أَحواله، أَو كما يقول فيه المؤَلِّف إنه “في سماء الشعر كوكبٌ شِعريٌّ يُرنى إِليه جيلاً بعد جيل”.

ولا أَجدُ وصفًا أَصدقَ من وصفِهِ إِياه بأَنّه “قال بثَّهُ على إِيقاعِ قلبه” و”كان شعرُه على طبيعة مزاجه… على البَرَكَة” و”لذلك جاءت قصائدُه جميلةً كبساطةِ الحقيقة، وعاريةً إِلاّ من الصّدق”.

وفعلاً يُمكننا اعتبار هذه المقدّمة دراسةً نقديةً، يَشرح من خلالها النهجَ الذي اتَّبعه الشاعر، ويقارنُ بينه وبين شُعراءِ عصره مسلّطًا الضوءَ على ما تَمَيَّز به شِعره، وعلى الفوارق بينه وبين مَن سبقوه أَو عاصروه. لذا تُعتبر هذه المقدّمة دراسةً مكثّفةً يعودُ إِليها مَن يشاء التعرّف إِلى أَبو شبكة ومزايا شعره. وهي تحوي كذلك تلخيصًا لحياة الشاعر ومصادِر وحيهِ وإِلهامه، منذ الحبّ الأَوّل والصبيّة التي خفَقَ لها قلبُه وكانت ابنةَ الجيران في الزوق واسمها أُولغا، والتي لاحقاً سيُصدر ديوانًا باسمها “غلواء” مع التلاعب بالأَحرف.

ثم كانت بطلة المرحلة الثانية “وردة”، إِلاّ أَنها لم تَقْوَ على محو غلواء من شعره. والمرحلة الثالثة كانت بطلتها “المغنية السمراء” واسمُها “هادية”: كانت جميلة، إِلى جانب الصوت الدافئ، أَعطاها بعضًا من قصائده لتغنّيها، وطلب من صديقه الفنان قيصر الجميّل أَن يرسمها وعلّق رسمها في صدر داره. لكنّها لم تلبث أَن ذَوَت وغابت من حياته، لتبقى “غلواء” أَو، بحسب ما يروي المؤلِّف، “كان العام 1940 هو الحدّ الفاصل في حياة الياس أَبو شبكة وشعره، العام الذي شهد ولادة المرحلة الرابعة والأَخيرة: ليلى”. دام هذا الحب ستّ سنواتٍ تبادلا خلالها مئات الرسائل التي أُحرقت أَمام تهديد عائلة ليلى وأَقاربها: “إِمّا إِحراقُ الرسائل وإِمّا حرمانُكِ ممّا يُعيل أَولادَكِ”.

***

إِنّ مَن يقرأُ سيرة الشاعر من خلال عِشقه وشِعره يُدركُ كم انّه متميِّزٌ عن سواه مِن شعراء زمانه، أَو كما يصفه المؤلِّف “كان حبُّ الياس جَهيرًا لا يبالي بمحيطٍ أَو مجتمع”، أَو كما سبَق وقال فيه فؤاد حبيش أَنه “اندفع في دروب حبّه الجديد اندفاعَ يافعٍ في الربيع الأَوّل، ما بالى بعَذول أَو رقيب، ولا بزوجٍ أَو حبيب”.

ويورد المؤلف في ختام المقدّمة: “تبقى لشِعره نكهةٌ خاصةٌ ذاتُ لذّةٍ حافيةٍ تتدفّق من ينبوع الحب، ويبقى أَنه قطف الثمرة المحرَّمة في الموسِم الحرام فبقِيَتْ لنا منه قصائدُ هي في الشِعر الخالد من أَعذب الحلال”.

وبهذه العبارة يَحُلُّهُ المؤلِّف منأَيّ عيبٍ أَو لوم قد يصبُّه عليه مجتمعٌ له تقاليدُ وحدودٌ لا يَجوز تَخَطّيها، لكنّ المتعارَفَ عليه والشائعَ من الأَقوال على لسان الخاصّة والعامة أَنه “يجوز للشاعر ما لا يَجوز لسواه”.

أَكتفي بهذا القدْر من وصف بعض ما ورَد في هذا الكتاب الذي تَجوز تسمِيَتُهُ “الموسوعة الشَّبَكية”، وأَترك للقارئِ أَن يغوصَ في عالَـمٍ سحريٍّ يصفه المؤَلّف بأَنه “كوكبٌ شعريٌّ يُرنى إِليه جيلاً بعد جيل” ويتعرّف إِلى ذاك الذي كان “بَــثُّـه الشِعريُّ على إِيقاع قلبه، وكان شِعرُه على طبيعة مزاجه و… على البَرَكَة”.

 ———————————————————–DSC_0295——————-

الرجل الأشعث العاشق ذو الجيوب الكثيرة

(نظرة في سيرة الياس أَبو شبكة وشعره من خلال كتاب هنري زغيب

“الياس أَبو شبكة من الذكرى إِلى الذاكرة”)

__________________________________________________________محمد علي شمس الدين

  • ·       ما حَدث بالفعل وما يمكن أَن يَحدُث.

ينعقد هذا النص على سيرة رجُلٍ فيها الكثيرُ من الغرابة والتشويق، وفيها الكثير من الشعر. حياةٌ قصيرة لا تكاد تتّسع لهذا العذاب الطويل، وهذا الكدْح المضني، وهذا الشعر الطالع كبخار البركان.

ونسأَل: هل أَهميّة الياس أَبو شبكة في أَنه أَحَبّ أَم كتب الحبّ؟ أَم في هذا التداخُل بين الحُبّ والقصيدة إِلى حدّ أَننا نتوهّم أَحياناً أَنّ الحكاية (الحبّ) تبدأُ من هنا في حين أَنّ القصيدة هي التي تبدأ. الفرق بين الواقعة التاريخية والقصيدة أَو الرواية أَو اللوحة، كالفرق بين الواقعة التاريخية والأُسطورة: الأُسطورة من نسج المخيّلة الفرديّة والجماعية، تنتمي إِلى عالم المخيّلة (Fiction) الغرائبي واللامعقول فيقبلها العقل البشري مع معرفته بغرابتها حتّى ولو كانت لها بذورٌ أَو مشابهاتٌ مع بعض الوقائع، في حين أَنّ الحقيقة التاريخية تنتمي إِلى واقعٍ عمليّ أَساسه “ما حدَثَ بالفعل” لا “ما يمكن أَن يحدث” أَو “يُظَنُّ أَنه حدَث”. لكنّ السؤال الإِشكالي الكبير أَو الميتافيزيكي – وإِليه ينتمي الشِعر والفنون- هو: “ما الذي حدَث بالفعل؟ وما الذي لم يحدث”؟ حتّى كأَنّ الشاعر أَو الفنان يبتكر التاريخ ولا يَسرده، كأَنّه يروي ما لم يَحدث قطُّ إِلاّ في أعماقه. فالحقيقة الداخلية أَو الشمس الداخلية للشاعر، هي حقيقتُه الشعرية على امتداد العصور والمدارس.

ونحن لو توغّلنا قليلاً في هذا الفصل الممتع لوصَلْنا إلى ملاحظاتٍ خصبة يتّصل بعضُها بفعل الإِرادة (من وجهة نظر فلسفيّة). فشوبنهاور مثلاً، حين كتب كتابه “العالم كإِرادة وتصوُّر” (أَو امتثال) عام 1819 رأَى أَن كلّ عالم خارجي مصدرُه الإِرادة الداخلية، ومعناهُ أنّ إِرادة الإِنسان تصنع العالم، وبعضها الآخَر يتّصل بحقيقة فنيّة هي أَنّ الفنانين على العُموم، ومن بينهم الشعراء، يعتقدون أَنهم يخلقون الأَشياء والعوالم بأَدواتهم الخاصة بهم خَلْقاً جديداً على غرار “كُنْ فيكون”، ومن هنا خطورتُهم كسارقين نارَ الآلهة المقدّسة، نارَ الخلق، كما تقول الأُسطورة الإِغريقية. من هنا الخطورة، على سبيل المقارنة، بين المتنبي كشاعر والمتنبي كنبيّ.

  • ·       “لكي تحِبّ أَتيتَ الأَرض”… سيرة مضاعفة

عملُ هنري زغيب في كتابه حول الشاعر الياس أَبو شبكة، المسمّى “لكي تُحِبَّ أَتيتَ الأَرض – الياس أَبو شبكة من الذكرى إِلى الذاكرة (منشورات درغام 2014)، هل هو عمل تأْريخي؟ أَم سِيري؟ إِحيائي أَم تقييمي؟ أَم انه عملٌ آخَرُ بين هذه جميعاً؟ وماذا نسمّيه؟

مسرح العمل هذا مسرح قريب جداً. فنحن نجلس اليوم في المكان عينه الذي كانت تدور فيه أَو في أَطرافه الحوادث وتُكتَب القصائد. ففي هذا المكان بالذات (زوق مكايل) أَو قريباً منه على مرمى حجر صغير في المكان وحجر صغير في الزمان، حدثَت أَحداث هذه القصة. المعالم الطبيعية لا تزال على ما كانت عليه من تلّة وشمس وغروب وأَشجار وخليج. منازل وحارات ما تزال قائمة حتى اليوم، وإن تحوّرت بمقدار أَو بآخر. أَشخاص المسرح (برغم موت الأَبطال جميعاً) لا يزال بعضهم حياً يرزق، وبعضهم ربما يكون بيننا ما يزال يصغي ويرى. الشهاداتُ موثَّقة ومؤرّخة وقريبة. لأنّ ما يفصلنا عن ميلاد وموت الياس أَبو شبكة (1903-1947) عشر سنوات ومائة. ومع هذا ومع كلّ ما قيل أَو ما يقال فيه، فإنّ ما نعيشه دائماً، حين نتذكّره، يتحوّل إِلى ظاهرةٍ طَلَلِيّة. فالطللية ليست حالة صحراويّة فقط، تتعلّق بما تتركه يدُ الزوال على الرمال، بل هي حالةُ الذاكرة البشرية عينها في كافة أَوقاتها، وغالباً ما هي مقترنة بالحزن أَو البكاء لأَنها وقوف على أَطلال الأَمكنة والأَزمنة والبشر، وهي على تماسّ مباشر مع الموت أو هي انحلال الحياة في الموت.

اعتراني أَلمٌ قويّ، وأَحياناً كانت الدموع تصعد إِلى عيني، وأَنا أَقرأُ بعض فصول السيرة المضاعَفة لالياس أَبو شبكة. فهو، وإِن كان شخصاً من شهوةٍ وقلقٍ دينيٍّ عميق، إِلاّ أَنه شخص من أَلمٍ خالص، بل لعلّ فيه من الغرابة والجنون والأَلم ما يفوق أَية صورة له.

في حال احتدام حبّه لليلى (ليلي معوّض)، مثلاً، يذكر شهود كثُر من أَهل بلدته ومعارفه أَو أَصدقائه، أَنه كان يقف طول الليل، وحتى في الليالي الشتوية الباردة، في مقبرة مقابلةٍ منزلَ ليلى، ينظر إِلى الضوء في غرفتها ولا يعود إِلى منزله إِلاّ إِذا انطفأَ الضوء. ويروون أَنه كان غالباً يرسل إِشارات حبّه على صورة تنهّداتٍ عميقة يبدأ بها كلماته في الإِذاعة، أَو على صورة مناشف بيضاء تُرفَع في منزل صديقه حبيب عودة المقابل لمنزل ليلى، إِيذاناً بوجوده، حتى إِذا مرض الشاعر المرض الذي مات فيه (اللوكيميا) ارتفعت مقابلَ منزل ليلى رايةٌ سوداء بدَلَ الراية البيضاء فعلمت أَنّ حبيبَها مات. لم يعد خافياً أَنّ ليلى كانت متزوّجة، ولها أَربعةربعة  أَولاد، زوجُها معروفٌ وأَولادها كذلك بالأَسماء، وأَنها كانت تأْخذ أَولادها الصغار إِلى بعض لقاءاتها بأَبو شبكة. ومن أَشدّ التذكارات حزناً استعادةُ أَيام الشاعر الأَخيرة وهو على فراش الموت: تسلَّلَت ليلى إِلى غرفته في المستشفى متنكّرةً، وحين انحنَت على جبينه تقبِّلُه وقَعَ الصليبُ الذي في عنقها على شفتَيه فقَبَّله. وفي ذلك يقول جورج غريّب في قصيدته:

قُمْ نقبّلْ في بيتِ ليلى صليباً        قبلةٌ منكَ لم تزلْ في الصليبِ” (شهادة جورج غريّب في الكتاب)

ويوم دفنه في الزوق كان يوماً عاصفاً. تابعتْه ليلى عن بُعدٍ حرَجاً وخَوفاً. وهو لم يُدفَن في مدفنٍ خاصٍّ به بل في مدفنٍ مستعار من آل الباشا أَصدقائه في الزوق. بعد ذلك أَحرقت ليلى جميع الرسائل المتبادَلة بين الاثنين، وغرِقَت رسائلُ الحب وكلماتُه في رمادها إِلى الأَبد.

كلُّ ما يحيط بسيرة وحُب وآلام “السيد الياس أَبو شبكة” تراجيديٌّ ومثيرٌ ومحرِّضٌ على الكتابة. بل لعلّ سيرته من أَكثر السِيَر استدعاءً لا للمؤَرّخ أَو كاتب البيوغرافيا الذاتية أَو الغيرية فقط، بل للشاعر والروائيّ أَيضاً، أَي أَن سيرةَ هذا الرجُل محرِّضةٌ على الشعر والرواية، وهو ما فعله الكثيرُ من الشعراء فيه ولم يفعلْه روائيٌّ حتى اليوم.

مع ذلك نسأَل أَنفسنا: مَنْ مِن الاثنين صنَعَ الآخر: السيرةُ الشعر؟ أَم الشعرُ السيرة؟

لعلّ الياس أَبو شبكة كان الأَقدر على وصف ذاته بذاته. ففي مقالة له بعنوان “أَنا” في جريدة “المعرض” التي كان يكتب فيها، نشرَها بتاريخ 21 حزيران 1931 (العدد 955)، وكان يومذاك في الثامنة والعشرين من عمره، يرسُم هيكَلَه الخارجيّ وثيابَه وأَخلاقَه وعاداتِه. أَبرز ما جاء فيه: “قامةٌ رقيقةٌ منتصبةٌ تزِنُ سبعين كيلو مع الثياب والعصا. جبينٌ بين العريض والمعتدل، ابتدرتْهُ الغُضون منذ عشر سنوات. بعيدٌ ما بين الحاجبِ والحاجب. أَنفٌ كبيرٌ فيه الكثير مما تحمل الأَساطير عن أَنف سيرانو دي برجُراك. خدّان هزيلان، أَما بشَرَة الوجه فتتحيّرُ بين السُمرة والحِنطة وتطفو عليها سحابةٌ من الشحوب. إِذا انحدرَ بصرُكَ عن رأْسي بصرْتَ بكتفين ترتفعان تارةً وتهبطان أُخرى كأَنهما في بحر هائج. أَمّا إِذا قُدِّر لكَ أَن تمُدَّ يدكَ إِلى جيوبي، فتقعُ على أَوراق غريبة لا يُدرك قيمتَها إِلاّ مَن يعيش كما أَعيش. ففي صدريَّتي أَربعة جيوب مورّمَة الجوانب، تغور في أَحدها القائم في الجهة الشمالية العُليا أَوراق تحمل تصاميم قصائد لم أَنظمْها، وتكمن في الجهة الشمالية السفلى أَوراقٌ تستريح عليها مقاطعُ ناقصةٌ نظمْتُ بعضَها في ساعة يأْس والبعضَ الآخر في ليلة خمر، تجاوِرُها ورَقاتٌ تحفل بالتهديد والشتائم بحقِّ أَحد المسوّدين (المنافقين) في هذا البلد. أَما الجيبُ القائمُ في الجهة الغربيّة العليا من صدريَّتي فهو أَظهرُ الجيوب وَرَماً لأَنه يحمل رسائلَ مَدْحٍ من بعض تلاميذ المدارس المأْخوذين بشِعري. وأَما الجيب الرابع فلا أَثرَ عليه من طيب العافية لأَني جعلتُه وعاءً للدراهم…”.

من هذه المقالة بالذات استقيتُ عنوان هذا النص: “الرجل الأَشعثُ العاشقُ ذو الجيوب الكثيرة”، وأُضيفُ أَنّ في أَنفه المدبَّب الكبير ما يدلُّ على بُروز شهوته الجنسيّة، وأَنّ في شَعرِهِ الأَشعث شيئاً من شَعر المجانين، وأَنني حاولتُ تتَبُّعَ الغريزة بشكل خاص في شِعره، نظراً لإِغرائها، على سُنّة أَنتونان آرتو الذي يقول: “من الجسد وإِلى الجسد وبالجسد وفي الجسد”. فماذا وجدْتُ؟

  • ·       الكتاب… الإِشكالات

في كتاب هنري زغيب كلُّ ما يحاول قارئ أَو مهتمٌّ أَن يعرفَه من تفاصيل حياة الياس أَبو شبكة وتَطَوُّحاتِه وعَذَاباتِه من لدُن ولادته في أَميركا (في بروﭬيدانس عاصمة ولاية رود آيلِنْد قربَ نيويورك) يوم 3 أَيار 1903، لحِين وفاته في الرابعة من صباح الإثنين 27 كانون الثاني 1947 في المستشفى الفرنسي في الخندق الغميق في بيروت حيث لفظ أَنفاسه الأَخيرة وهو يردِّد: “مسكينة أُولغا، مسكينة أُولغا”. وفي الكتاب من الشهادات والكتابات والتفاصيل وتفاصيل التفاصيل ما يكشف الغطاءَ حتى عن الأَنفاس الخفيّة والذبذبات الداخلية لأَحاسيس الشاعر وأَفكاره، تارةً بكتاباته الشخصية وطوراً بشهاداتٍ مؤرَّخةٍ وموثَّقة ممّن عايشوه أَو صادقوه أَو رصَدوا شيئاً من أَطواره وعاداته، وبينهم أَصدقاءُ مقرَّبون إِليه عارفون ببواطن أَسراره، وحبيباتٌ كتب فيهنَّ معظَم شعره مثل أُولغا ساروفيم، حبيبتِه وزوجتِه بعد حين (على غرابة أَنْ لم يضُمَّهُما منزلُ زوجيّةٍ واحدٌ، وهي “غلواء” في قصائد ديوانه “غلواء” الذي كَتبَه بين 1926 و1932 وصدر للمرة الأُولى في تشرين الثاني 1945 عن “دار المكشوف” بعد حذف ما يقْرُبُ من نصف قصائده)، وليلي معوّض، زوجة أَلبر العضْم التي أَحبَّها وكتب فيها ديوانَيْه “نداء القلب” (الطبعة الأُولى 1944) و”إِلى الأَبد” (الطبعة الأُولى 1945) وكان يسمّيها ليلى. لقاءاتٌ ومكاشفاتٌ كثيرةٌ موثّقةٌ ومؤرَّخةٌ كشف فيها المؤَلّف عن جميع أَستار أَبو شبكة،  حتّى الخفيّة منها والأَشدّ خفاءً. وأَستطيع أَن أَقول إِنّ هنري زغيب عرّى الياس أَبو شبكة الشخص والشاعر تعرّيةً تامّةً، وعرّى شخوص مسرحه من حبيباتٍ وأَصدقاء ومُجايلين، حتّى الذين من أَهل بلدته ما كانوا يعرفون حقيقتَه الشعرية فسمّوه “الأَخْوَت” تارةً أَو “المجنون” أَو “العَصَبي”. كما أَجرى المؤلّف لقاءاتٍ مفصّلةً مع حبيباته ومع ابنة حبيبته ليلى (أَستريد العضم وازن) ومعظم هؤلاء طواهم الموت: أُولغا أَو غلواء في العام 1996، ليلي (ليلى) في العام 2005، وزوج ليلي في العام 1947 بعد عشرة أَشهر على موت الشاعر (قهراً وغمّاً على الأَرجح).

فماذا فعل المؤلّف بالشاعر يا تُرى؟ ولماذا الياس أَبو شبكة ترك أَبوابه مُشَرّعة إِلى هذا الحدّ؟

لو لم تُحرَق رسائلُ الحبّ المتبادَلَة بينه وبين ليلى لَمَا بقيَ في الرَّجُل وسيرته سِرّ. ومع أَنّ الرسائل أُحرِقتْ، بقيَت منها اثنتان عَثَر عليهما صديقُه فؤَاد حبيش صاحبُ “المكشوف” في إِحدى الزوايا، وهما منشورتان في الكتاب أَيضاً، لكنهما لا تكشفان عن جديد. بل لعلّ الرسائل جميعَها لو لم تُحرَق لن تكشف سراً عن علاقةٍ مكشوفةٍ ومقروءَةٍ شاءَ لها طَرَفاها وجميع المَلَإِ المحيط بالطَّرَفَين أَن تَكون في الضوء الباهر برغم حراجة ذاك الحب وخطورته. وحين تقول عنه أُخته (العازب التي انتهت في دير الصليب): “الياس نايم بالجارور”، معنى ذلك أَنه جميعَه، حباً وسيرةً وصحافةً وكتابةً، موثَّق في الجارور، فحُبّه ليلى، كما يقول المؤلّف، “كان في الزمن الممنوع لكنه لم يكن في الزمن المستور”.

ويقول المؤلّف أَيضاً إِنه “يروي قصصاً وُلدَ منها الشعر”. ونسأل: هل كانت هذه القصص مهمّةً لو لم يولَدْ منها الشعر؟ فلا السيرة كافية، ولا الصورة، لولا القصيدة. الحكايةُ، كلُّ الحكاية، في القصيدة. إِذنْ: لنبحَثْ عن القصيدة.

  • ·       البحث عن القصيدة

هنا تتنوّع السُبٌل. فكلٌّ يبحث عن القصيدة على شاكلته وذائقته. والقارئ الذي قال فيه بودلير: “يا مراوغاً أَيُّها القارئ: يا شبيهي ويا أَخي” (Hyprocrite lecteur: mon semblable mon frère)، إِنما هو أَنت، وأنا، وكلُّ قارئ في العالم.

يرى هنري زغيب أَنّ الياس أَبو شبكة “لم يغُصْ على الجوهر، لم يعِ أَو لم يهتمَّ أَو لم يتجاسرْ” (…) “شعره، كمزاجه، على البرَكَة، وقصائده صادقة” (…) “لم يستولِد الكلمة بل أَطلقها مباشرة. الكلمة عنده أَداةٌ لا غاية كما رأَى إِليها الرمزيون” (من المقدمة).. لكنه يذكر أَنّ أَبو شبكة “طبَعَه شِعراً وسيرةَ حب”، ثم يضعه في طليعة التجديد: “الحداثويون يحبّون نضارته ولا يرفضون كلاسيكيته” (المقدمة).

الحالُ أَنّ المؤلّف رافق أَبو شبكة رِفقةً طويلةً في أَماكنه وأَهله وأَصدقائه ومعارفه وحبيباته على امتداد نصف قرنٍ من الزمن، من بيروت إِلى زوق مكايل، ومن الزوق إِلى فلوريدا ذهاباً وإِياباً، ومن جريدة “النهار” إِلى “الأُوديسيه” ف”النهار العربي والدولي” ف”الحوادث” فجرائد ومجلات أُخرى كثيرة، ومن رسالةٍ إِلى خبرٍ عنه ومنه، إِلى وصف، ومن وصف إِلى قصيدةٍ فرأْيٍ فشهادة.

لماذا هذه المرافقة والاستقصاء البعيدان لو لم يكن الشَّغَف رائدَ هنري زغيب؟

الذين كتبوا في الياس أَبو شبكة من كتّاب وشعراء مجايلين له، أَو في ما بعد، متفاوِتون لكنهم يكادون يُجْمعون على أَنّ قصصَه وسيرةَ حياته وعلاقاتِ الحبّ التي نسَجَها، هي مداخلُ ضرورية لقصائده، وأَنه شاعرٌ ذو ديباجةٍ عربية فيها بعضُ التحرُّر، على تأَثُّره بالثقافة الفرنسية والشعراء الرومانسيين الفرنسيين مثل لامرتين وأَلفْرد دي موسّيه اللذين يذكرُهما في بعض قصائده مشيراً مثلاً إِلى أَنها بلسان أَحدهما. إِذن ها هو وُضعَ في كادر أَدبي ونقدي جامد، هو الذي كان يَعتبر المدارس والنظريات بمثابة “وُحوش” حين تَطلع من أَوجارها يكشّر بعضُها في البعض الآخر” (“في حديث الشعر” – مقدمة “أَفاعي الفردوس”). وهو يرغب في أَن يردَّ الشعر إِلى “الطبيعة أُمه” (المقدمة نفسها). وفي حديث الشعر يشير إِلى صعوبة تحديده بل استحالة تحديده “… فالدائرة غير المحدودة لا تنحصر في الحدقة الضيّقة” (المقدمة نفسها) والشعر “سعي وراء حقيقة غامضة يستحيل أَن تُنال”  ويتَّكئ على آراء شعراء ومفكرين فرنسيين في مقدمته، بينهم الأَب بريمون الذي يرى أَنْ “لا حاجة لفهم معنى الشعر، فالسحر المنبثق عن موسيقاه يؤثِّر في النفس تأثيراً مباشراً” (…)، والفنّ “أَشبه ما يكون بسطح الماء الصافي الذي رأَى خلاله تلك الأَشياء الفاحشة الطافحة بالدم (المقدمة نفسها).

هذه المقدمةُ مقدّمةُ مثقَّف بثقافة غربية واسعة، لكنه يُدخل فيها رأْياً للأصمعي في الوحي الذي هو أَساس الشعر: “الوحي يتولَّد على صفاء المزاج الطبيعي، وقوّة مادة النور في النفس” (رواه المسعودي في “مروج الذهب”).

بين شهادات نقدية كثيرة كُتِبت في الياس أَبو شبكة وضمّها كتاب هنري زغيب تحت عنوان “عرفوه”، شهادة الشيخ خليل تقي الدين من “عصبة العشرة” وهم في الواقع أَربعةٌ قال فيهم أَبو شبكة وهو منهم:

أَربعةٌ لكنهم عند الحساب عَشَرَهْ            إِذا أَهابوا بالدجى          أَرخى عليهم قَمَرَهْ

أَشار تقي الدين إِلى “الفوضى والبوهيمية الخلاّقة” في سيرتِه، وأشار توفيق يوسف عوّاد إلى “النار في دم الياس” هو الذي “دُفِن في ضريح مستعار”… “ينظر إِليّ ولا يراني، وتتشنَّج أَصابع يده في الفضاء”. ويقول له أَمين الريحاني في رسالة: “رميتَ بالمدرسيات الشعرية إِلى الكلاب”، ويرى الﭙروفسور جان غولْمْييه أَنه “حاول أَن يروّض الشعر العربي على التعبير عن التنوُّع الخاطف في الحياة الباطنية”، ويرى جورج غريّب أَنْ “كان فيه اعتدادُ الشاعر بنفسه ونزواته الصارمة، وشِعرُه نشأَ في إِطار ريفيّ للحبّ في زوق مكايل في أَربعينات القرن الماضي”. ويرى الدكتور أَنطُون غطاس كرم أَنّ في شعره “نصفَين: صفّياً ودنِساً”. ويسميه عبدالرحمن الربيعي “الطفل الأَبدي المخيف”، ويرى الأَب إِتيان صقر أَنّ “الصلاة في شعره تطارد الفجور”، ويعتبره أَدونيس “من أَنبياء الذاتية” ويسمّيه جوزف حرب “هو شاعر يُدعى الغريب”، وترى ﭬينوس خوري غاتا أَنْ “سيأْتي يوم يقوم فيه الجغرافيون، بدلاً من درسهم الأَقاليم والمحيطات، بدرس جغرافية العشّاق والشعراء” وتعقد مقارنة أَوّلية بين بودلير وأَبو شبكة اللذين يفصل بينهما 82 عاماً من الزمن إنما تجمعهما الكلمة المفتاح لشعر كل منهما: الجحيم L’enfer”.

من أكمل الدراسات عن الياس أبو شبكة تلك التي وضعها إيليا حاوي في مقدّمة أَعماله الشعرية الكاملة (“دار العودة” 1999) إِذ عقد قراناً بين مراحل وأَحداث حياته وأَشعاره، مركِّزاً على ظروف فقره بعد موت والده الموسر اغتيالاً على الطريق بين مصر والسودان، متابعاً نشأَته المسيحية الخالصة في بلدته زوق مكايل ومدرسته في عينطورة ومعهد الرسل في جونيه “حيث أَجواء التقوى العامّة في البلدة والأَديار حولها وقرْع الأَجراس صباحاً وظهراً ومساءً، وصلاة الغروب والشمس الشاحبة عند الغروب والقرويون والحقول… إلخ، معتبراً أَنّ هذه جميعها غرسَت في نفسه “مرشده الروحي” الذي يطلّ برأْسه من قصائده بلا استثناء، حتّى تلك المعقودة منها على دنس كما في “أَفاعي الفردوس”، “وربما كانت قصائده كلها ضرباً من الاعتراف العلني بالخطيئة والبكارة والطهارة والقداسة والنجاسة”، فهو كرومَنسي “منقودٌ وموجود معاً، دائم المرارة، لديه إِحساس متناقض بأَنه مارد وصعلوك، وصَفَ في وقت واحد زمن البهيميّة وزمن القداسة. الغربة ترين على ملامحه، وأَرَق الليل ووجْد النهار. إنه الفتى القادم من القرية ظاهراً، لكنه وافد من غيب ما وراء الأَشياء”. ويربط حاوي بينه وبين شعراء العربية اللبنانيين النصارى في ذلك الحين مثل خليل مطران وبشارة الخوري (الأَخطل الصغير) وسواهما.

حقيقته الشعريّة من حقيقة الرومانسية. هكذا  يقولون. وأَسأَل: فهل فيها قبره؟ الشعر من بعدِه عَبَر من الوتر الذاتي إِلى الوتر الوجودي (الموضوعي/أَو المعادل الموضوعي مستنداً إِلى الأُسطورة، كما يرى ت. س. إِلْيُوت)، ومن الوتر الوجودي إِلى الوتر السوريالي. ثمّ إِنّ “الشعر هو عبقرية الصورة الشعرية في اللغة” كما يقول هايدغر.

  • ·       خلاصة

أُنهي برأْيي في كلّ ما ذكرْتُ:

في هذا الكتاب  كشف المؤِلِّف عن سيرةٍ لالياس أَبو شبكة مكشوفةٍ أَو تكاد، وهو ممّن واكبوا وأَظهروا هذا الانكشاف القوي لهذه السيرة. قبله كان الشاعر نفسُه أَبرزَ إِلى العلن الواضح سيرتَه وأَحوالَه وفصَّلها حتّى لم يعُد فيها مكان لظنٍّ أَو تخمين. ونسأَل: لماذا هذه المقارنةُ أَو الموازنة بين سيرة الشاعر الذاتية وقصائده؟ لديّ إِحساسٌ، بعد كل شيء، بأَنّ السيرة هنا أَهمُّ من الشعر. أَكثر جاذبيّة. أَغنى. وأَنّ قصائد أَبو شبكة مؤَسسةٌ على المعاني، وأَنها تفتقر إِلى الصورة البسيطة أَو المركّبة، وإلى القوّة اللغوية أَو الغريزة اللغوية (التي نراها عند سعيد عقل مثلاً)، وإِلى الحكمة السرمدية المنْزَلة كآيةٍ (كما في أَبياتٍ للمتنبي أو المعرّي مثلاً). ولو قارنْتُ، ببساطة، بين سيرتَين مكتوبتَين: إِحداهما سيرةُ قيس صاحب “ليلى” المعروف في كتب التراث ب”المجنون”، والأُخرى التي بين يدينا: سيرة الياس أَبو شبكة وصاحبته ليلى، لوجدتُ أَن أَبا الفرج الأَصفهاني كتبَ أَو جمع في كتاب “الأَغاني” مئة صفحة كبيرة إِلاّ قليلاً، مرتِّباً أَخبار وأَشعار حبّ من صُنع المخيّلة. فالأَصمعي يقول إِنّ مجنون بين عامر هو أَحد رجُلَين وضعهما الرواة “وما عُرِفا في الدنيا قطّ” (الأَصفهاني، أَبو الفرج، طبعة وزارة الثقافة والإِرشاد القومي، المؤسسة المصريّة العامة للتأْليف والترجمة والطباعة والنشر القاهرة، ج. 2. ص 3). إِذن هي سيرةُ رجلٍ من وهْم وأَشعارُه. وفي الشعر ما هو من أَعذب الشعر:

“أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ            وقد عشتُ دهراً لا أَعُدُّ اللياليا

أَراني إِذا صلّيتُ يمَّمتُ نحوها        بوجهي وإِن كان المصلّى ورائيا”. (الأَصفهاني، ج 2، ص 68)

أَو كقوله (وهو منسوب أَيضاً إِلى جميل):

“خليليَّ فيما عشتما هل رأَيتما      قتيلاً بكى من حبّ قاتله قبلي؟” (الأَصفهاني، “ديوان جميل” ص 66).

إِنّ سيرة الياس أَبو شبكة المفصَّلة والحقيقية بالمنظور التاريخي لم تستطع أَن تجعل من القصائد قيمةً أَعلى من ذاتها. وفيما أَنا أَقرأُ فصولاً من سيرته حول المدنَّس والمقدَّس من علاقاته النسائية، وجدتُ نفسي أُحاول أَن أَسبقَ نفسي شغَفاً وفضولاً لأَعرف: هل كان بينه وبين ليلى العضْم تَواصُلٌ جسَدي؟ قرأْت فصول السيرة والاعترافات والشهادات ولم أَجد ما يجيب عن سؤالي. وكنتُ متعجِّلاً أَن أَقرأَ ديوانَيه فيها: “نداء القلب” و”إِلى الأَبد” لأَرى إِن كان يرشح من القصائد وصل جسدي بين الاثنين. والنتيجة سريعاً هي: لا. في قصائد “نداء القلب” شعريةٌ عاديّة في الحب، كأَن يقول في قصيدة “أَعذب الشعر”:

ويا شعراء الأَرض ما أَصدق الندى                   إِذا ابتسمَت ليلى، وما أَكذب الورقْ

وإِن نظرتْ ما أَبلغ الشعر صامتاً                      وإِن نطقَت ما أَعذبَ الشعر إِن نطقْ

هو شعرُ معنى رتَّبه الشاعر في رأْسه أَولاً، وإِذ جاء اللغة لم يزعجْه أَن يلجأَ إِلى قافيةٍ مغْلَقَة (القاف الساكنة) تضغط على الحنجرة ضغطاً كأَنها شيءٌ في فم الحبّ.

وتتبَّعتُ القصائد باحثاً عن احتمالات الجسد وأَوصافه فوجدْتُ قصائدَ نقيّة المعنى، تميل لصالح الطهر، وتهجو نمائم الحسّاد، وتحاول استحضار العشّاق العذريين. ولعلّ البيتين الأَخيرين من المجموعة يلخِّصان ما نرى:

يا حبيبي سيملأُ الحبُّ سِجني                فَلْيَشيدوا الحصون والأَسوارا

 وسأَبنيك فيه جسماً وروحاً                  وحناناً وعِفّةً ووقارا

من خلال تَوالي الحنان والعفّة والوقار تبيَّن لي صدْق مقولة الأَصمعي: “الشعر نَكَدٌ لا يقوى إِلاّ في الشرّ، فإِذا وقَع على الخير ضَعُفَ”. ورغبتْ في أَن أَرى علامة ذلك في “أَفاعي الفردوس” و”غلواء” معتبراً أَنّ ديوان “الأَلحان” (1941) قصائدُ رَعَويّة وأَناشيدُ وصفيّةٌ للطبيعة. في “أَفاعي الفردوس” (1938) و”غلواء” (1945) نجد في المعاني ملامحَ من بودلير على إِيماءةٍ بعيدةٍ من المعرّي. هو أَقلّ عنفاً شعرياً من اللورد بايرون في قصائده عن حبّه المدنَّس لأُخته، ومن بودلير الجحيميّ في اللغة الشعرية، ومن المعرّي في حكمته السوداء. والشهوة الجسدية في “أَفاعي الفردوس” مؤَسَّسةٌ على صراع المقدّس والمدنّس على أَساس طُهراني مسيحي لا على أَساس اندفاعةٍ فلسفية وُجوديّة (كما عند عمر الخيّام) بل هو شِعر حكائي يتوسّل الأُسطورة (شمشون، سَدوم، بنات لوط) ويختصر الفكرة كلَّها بمطلعٍ قويٍّ كقوله في مطلع “سَدُوم”:

“مغْناكِ ملتهبٌ وكأْسُكِ مُترَعَهْ      فاسقي أَباكِ الخمر واضطجعي معَهْ

أَو كمطلع قصيدة “الشهوة الحمراء”:

أَطفئْ ضِياكَ وأَظلِمْ مثْل إِظلامي   وخلِّني في كوابيسي وأَحلامي

وربما عثرْتُ على أَبيات مرصوصة كالفيلق، يحملها الإِيقاع بقُوَّةٍ وتتدافع ضدِّيَّات المعاني في اللغة تدافُعاً إبداعياً خلاّقاً:

أَسليلة الفحشاء نارُكِ في دمي               فتضرّمي ما شئتِ أَن تتضرّمي

أَنا لستُ أَخشى من جهنّم جذوة             ما دام جسمي يا سدومُ جهنمي

طوَّفتِ بي ميتاً بأَروقة اللظى                  فحملْتُ تابوتي وسرتُ بِمأْتمي

وعصبْتُ بالشبق المُجَمَّر جبهتي               فرفعتُها في عَصري المتهكِّمِ

ونصل إِلى “غلواء” فنفاجأُ بكلماتٍ كتبها الشاعر في تشرين الثاني 1945 تفيد أَنّ “غلواء” هي “حياة جماعة لا حياة فرد، هي الحياة وليست حياة، هي قصيدة لا تاريخ”، ما يجعلنا نقول: ها وقع الصيّاد على الطريدة في الشعر. و”غلواء”، في المحصِّلة، أَجْوَدُ ما كتب الياس أَبو شبكة: حكايات شعريّة بطلتُها “غلواء” وصاحبُها “شفيق”، مسرحها هياكل صور، فيها ازدواجٌ بين عاهر (وردة) وملاك طاهر (غلواء) يخيّل إِليها أَنها وردة (ربما لأَنهما شقيقتان) ثم تشفى أَخيراً من وهمها، كما جاء في البيت الأَخير من القصيدة:

وشُفِيَت غلواءُ من أَوهامها                   لكنها لم تُشْفَ من آلامها“.

أَهمُّ ما في “غلواء”: تداخُلُ المدنّس والمقدّس في الحبّ من ناحية، وتمجيدُ الأَلم من الناحية الأُخرى طريقاً للخلاص.

وقصائد أَبو شبكة، من ناحية لجوئه إِلى الأَساطير والضرب على وتر الضدّيات، انعكست على قصائد خليل حاوي في ما بعد، كما أَنّ منه أَثراً مؤكّداً في الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في قصائد “المومس العمياء” و”حفّار القبور” و”سربروس في بابل”، و”المبغى”، و”المسيح بعد الصلب”.

يُمجّدُ أَبو شبكة الأَلم واعتباره إِياه طريقاً للخلاص في قوله:

مَن ليس يرقى ذروةَ الجلجلَهْ       ولَم يُسمِّر في الهوى أَنملَهْ

                   ويُرفع العلقَمُ والخلُّ لَهْ

لن يعرف العمرَ شعاعَ الإِلهْ                  ولن يرى آماله في رؤاهْ

                   بل عالَماً يخْبط في مهزلَهْ

ونجدُ طيفاً ضاغطاً لأَبو شبكة في قصيدة السيّاب “المسيح بعد الصلب”:

“حين دفَّأْتُ يوماً بِلَحمي عظامَ الصغارْ

حين عرّيْتُ جرحي وضمّدْتُ جُرحاً سواهْ

حُطِّم السُّورُ بيني وبين الإِلهْ”.

———————————————————————————-

لقطات من التوقيع:

DSC_0349

DSC_0334

DSC_0318

DSC_0221DSC_0190

DSC_0164DSC_0162

DSC_0373

DSC_0387