هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1130: … والأطفال يموتون
الأَربعاء 18 كانون الأَوّل 2013

        على الشاشة في نشرة الأَخبار صورةٌ مكبَّرة لطفلٍ رضيعٍ في شهره الثالث، مفتوحِ العينين، يداه ممدودتان في الهواء. سوى أَنّ هذا الرضيع لا يتحرك، وعيناه مقزَّزَتان لا ترفّان. ذلك أَنه… مُدَنَّق من البرد حتى الموت.        وفي اليوم التالي قرأْنا في الصحف أَنّ تسعة أَطفال سوريين ماتوا من البرد، أَربعةٌ منهم حديثو الولادة. وداخل خيمةٍ هزيلةٍ في منطقة الحريرية على طريق دير زنُّون البقاعية، طفلٌ سوريٌّ ذو تسعة أَشهر اسمه عبدالله نام على حضن والدته الـمُهَجَّرة، وفي الصباح استيقظت الوالدة لكنّ طفلَها لم يستيقظ ولَنْ… مات صامتاً في الليل من شدّة البرد.

          ومرت العاصفة الثلجية القاسية ثلاثةَ أَيامِ الأُسبوع الماضي جارفةً في وحشيّتها خياماً وملاجئَ وعائلاتٍ وأَطفالاً صَفَعَتْهُم قسوةُ الطبيعة الهائجة في برد كانون. ورافق الإِعلامُ هياجَ الطبيعة مُنبِّهاً محذِّراً دون اختيارٍ ولا اعتبارٍ لـمَشاعر مشاهدينَ بينهم أَطفال.

          مع أَنّ المجلس الأَعلى للطفولة عندنا كان قبل فترة نسّق مع المعنيين وأَصحاب الاختصاص في إِعداد “شُرعة أَخلاقيات التعامُل الإِعلامي مع الأَطفال”، وفيها “مبادئُ توجيهيةٌ لتحديد ممارساتٍ سليمةٍ يعتمدُها الإِعلاميون في تنفيذ مبدإِ حماية حقوق الأَطفال” ووقّع مقدِّمةَ البيان رئيسُ المجلس الأَعلى للطفولة وهو نفسُه وزير الشؤون الاجتماعية.

          ولم يلتزم بالشرعة أَيُّ إِعلام بل ظلّ فاتحاً شاشاته وإِذاعاته لنقل وحشيّة الطبيعة والإِنسان تسحَق الإِنسان والطفولة.

          تسعة أَطفال ماتوا من البرد، وقبلهم تسعوناتٌ ماتوا من القصف والدمار، فمن يردع القتل عن أَطفال يموتون؟

          في العُرْف الدُّولي اتفاقيةٌ دولية لحقوق الطفل وفقاً لمبادئ وردَت صريحةً في ميثاق الأُمم المتحدة، والأَطفال يموتون من البرد.

          في الاتفاقات الدولية ضرورة الالتزام بـمبادئ الحرية والعدالة والسلْم، والأَطفال يموتون من البرد.

          في المادة 20 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، جاء: “كلّ طفل محرومٍ مؤقتاً أَو دائماً من بيئته العائلية أَو لا يتوفَّر له البقاء في تلك البيئة، له الحق في حماية ومساعدة خاصتَين توفرهما الدولة”، والأَطفال يموتون من البرد.

          وفي المادة 36 من الاتفاقية نفسها جاء: “على الدول الأعضاء أن تحمي الطفلَ من جميع أَشكال الأخطار الضارة بأَيّ جانب من جوانب حياته”، والأَطفال يموتون من البرد.

وفي المادة ٤٧ جاء: “تُصَدَّق هذه الاتفاقيةُ الدوليةُ وتُودَعُ صكوكُ التصديق لدى الأَمين العام للأُمم المتحدة”، والأَمين العام يوعزُ وينبّهُ… والأَطفال يموتون من البرد.

بين الدول اتفاقيةٌ يحصِّنها مجلس حقوق الإِنسان، والأَطفال يموتون من البرد.

في العالم شبَحٌ يسمّى “المجتمع الدولي” مُلزَمٌ بالتحرُّك كي يُساعدَ ويحمي، والأَطفال يموتون من البرد.

في العالم منظمةٌ اسمها “منظمة العفو الدولية” تنبِّه إِلى المخاطر وتنادي المسؤُولين، والأَطفال يموتون من البرد.

في العالم اتحاد أُوروبي وَعَدَ بمساعدة اللاجئين وحمايتِهم، والأَطفال يموتون من البرد.

في العالم أُمَم متّحدة ذاتُ مجلس أَمن يتدخَّل عند أَزمةٍ إِنسانيةٍ داهمة، والأَطفال يموتون من البرد.

من البرد ماتوا الأُسبوع الماضي، وقبله ماتوا من القصف والجوع، وحالياً وغداً وبعدَه مهدَّدون بالموت برداً أَو جوعاً أَو ضحايا دمارٍ ورُعب وهَرَبٍ من ملجإٍ غيرِ آمِن إِلى ملجإٍ غيرِ آمِن… والأَطفال يموتون.

ماذا ينفع أَن يلتئم مجلسٌ دولي، وتندِّدَ جمعيةٌ عمومية، وتقلقَ منظمةٌ دولية، وتتَّخِذَ قراراتِها دولٌ كبرى، وفي حضْن أُمه نامَ طفلٌ رضيعٌ اسمه عبدالله في بقاع لبنان، استيقظت أُمُّه صباحاً وفي حضنها طفلُها النائمُ الذي لن يصحُو لأَنه… ماتَ ليلاً من البرد؟