هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

819: معيار الجغرافيا والديمغرافيا
السبت 16 تشرين الثاني 2013

             ليس معيارُ الجغرافيا والديمغرافيا هو الأَساس في تحديد نسبة العلْم وما يرفده من تعليم وتعلُّم لأَبناء البلاد.

          الأَساسُ في مكانٍ آخَر: السخاءُ على التربية وتخصيصُ اعتماداتٍ لها والاستثمارُ فيها وتوعيةُ المتخرّجين على حاجات سوق العمل فلا تُـخرِّج جامعات بلادهم مَنْ يَـبحثون عن وظائف خارج البلاد.

          في هذا السياق نشرَت أَخيراً وكالةُ رويترز تقريراً عن “أَكثر البلدان سخاء على التعليم” فجاءت أُستراليا في الطليعة، تلتْها فنلندا فنيوزيلندا فبريطانيا فكوريا فالولايات المتحدة فاليابان فكندا فروسيا الاتحادية.

          استندَ التقريرُ إِلى أَرقام محدَّدة تشمل: الفئةَ العُمْرية (تركيزاً على الشابّة منها)، ميزانيةَ التعليم الرسمية (خصوصاً في المراحل الثانوية قبل الجامعية)، اتجاهاتِ التخصُّص، الاستثمارَ التربوي، نسبةَ المترفِّعين من الثانويات إِلى الجامعات، التحديثَ الدائم في المناهج التربوية، مستوى التعليم الرسمي مقابل التعليم الخاص، العنايةَ بالتعليم المهني والتقني وفْق حاجة البلاد إِلى قطاعاته، السخاء بِـحِصَّة التعليم في موازنة الدولة العامة، مدى استقطاب البلاد طُلاّباً أَجانب إِلى مستواها التعليمي العالي (للتخصص في جامعاتها العالـمية الشهرة والثقة والضمانة والمصداقية)، خفضَ نسبة البطالة في صفوف حَـمَلَة الشهادات العليا، ارتفاعَ نسبة المتخرِّجين العاملين في حقل اختصاصهم غير الـمُرغَمين على العمل في اختصاصات أُخرى لانسداد الأُفق في ميدان شهاداتهم.

          بهذه الـمعايـير عدَّدَ التقرير “أَكثر البلدان عنايةً بالقطاع التربوي” في جميع مراحله واختصاصاته، وخلُصَ إِلى أَنّ أَكثر الشعوب تعلُّماً هي التي من بلدانٍ ترتفع فيها نسبةُ سخاء الدولة على التعليم، حتى ولو كانت في وضع اقتصادي غيرِ مريح، لأَن الاستثمار في التعليم يَـجعلُ التربية رافعةً اقتصاديةً إِيجابيةً على الـمَدَيَــين المتوسط والطويل.

          هذه المقاربة الاقتصادية للتعليم نقارنُها بما يجري في لبنان فنلاحظ عندنا كثرة متخرّجين إِزاء قلّة استيعاب السوق وضآلة فرص العمل، فكأَن جامعاتنا تُخرّج كلّ عام أَفواجَ عاطلين عن العمل تلهف إِليهم دولٌ أُخرى، تَكتسب من مهاراتهم ومواهبهم وإِنتاجيّتهم فيَغنى اقتصادُها ويفتقر اقتصاد لبنان متهاوياً على تَضخُّمٍ في الأَعداد وهُزال في الإِنتاجيّة.

          التعليمُ تخطيطٌ أَولاً، وتصميمٌ ثانياً، وتوجيهٌ ثالثاً، قبل أَن يكون أَعدادَ طُلاّب ومئاتِ اختصاصاتٍ وآلاف متخرجين.

          الأَعدادُ في حاجةٍ إِلى إِعداد، وإِلاّ تكثر الشهادات المعلّقة على الحيطان وتبقى الحيطان وحدَها تزهو بــبرواز الشهادة، فيما صاحب الشهادة يشهَد على انسدادِ الأُفق ويشاهدُ سنواتِه بعدَ الجامعية تتسلَّل من بين أَيامه كما الرملُ من بين أَصابع الواقف على الشاطئ منتظِراً وصولَ الباخرة التي ستُبحرُ به إِلى بلادٍ بعيدةٍ بعيدة… أُفُقُها غير مسدُود.