هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 138
“مئوية التأْسيس وخمسينية النهضة”- مجلة “أنوال”- زوق مكايل
الأَحَـــد 13 تشرين الأَوّل 2013

vdl_138

          بات في السائد أَنّ تاريخَ لبنان من تاريخ اللبنانيين: لا يَكتُبه فردٌ خلْف مكتَب، ولا مؤَرِّخٌ من تقميش الكتب، بل يكتبُه المجتمعُ المدنـيُّ بأَعلامه وأَهله وتراثه وعاداته ومقتنياته التي يحفظها كي يسلّمها من جيلٍ إِلى جيل. والمجتمعُ المدنـيُّ في البلاد: بلداتٌ وبلدياتٌ يَقوم لها مَن له حِسُّ النهضة والشعورٌ بترسيخ المستقبل عبر رسوخ الماضي في الذاكرة الجماعية.

          هذا ما فعلَتْه بلديةُ زوق مكايل بإِصدارها أَخيراً كتاب “مئوية التأْسيس وخمسينية النهضة” عدَداً خاصاً من مَـجلَّتها “أَنوال” التي يَنشرُها المركز الثقافي البلدي في زوق مكايل.

          “مئويةُ التأْسيس” احتفاءٌ بـمرور مئة سنة على تأْسيس بلدية زوق مكايل سنة 1912، وخمسينيةُ النهضة احتفاءٌ بِـمرور نصف قرنٍ على رئاسة المحامي نهاد نوفل مَـجلِسَها البلديّ منذ 1963 ونُـهوضِه بِـها من بلْدة عاديةٍ مستلقيةٍ على خصر كسروان إِلى مدينةٍ عصريةٍ حديثةٍ ذاتِ حضورٍ مُضيءٍ لا على خارطة لبنان وحسْب بل على خارطة دُوَل المتوسط ودوَل عالَـمية أُخرى لها معها تبادلُ جوائز أَو توأَمة أَو تنويه، وفي صدارتِـها جائزةُ الأُونسكو للعالم العربي سنة 1999.

          هذا الكتابُ الـمُلوّنُ الأَنيقُ الطباعة والإِخراج من 180 صفحة زاخرة بالصُّوَر والـمَناظر والـمَشاهد والوثائق، اختصارٌ لزوق مكايل في مئة سنة: من غرفتَين متواضعتَين في ساحة الضيعة إِلى أَوّل قصرٍ بلدي في لبنان تتالت بعده مُشَبَّهات به في كل لبنان.

          يلفتُ في توثيق الكتاب نَشْرُهُ صُوَراً          ومخطوطاتٍ ووثائقَ عن كلّ مجلسٍ بلديّ، منذ الأَول وكان اسمه “كوميسيون زوق مكايل” عيَّنه قائمقام كسروان في كانون الأَوّل 1912 بعد عَريضةٍ وقَّعها الأَهالي طالَبُوا فيها بإِنشاء بلديةٍ تدير شؤونهم.

          ويَمضي الكتابُ، في تَسلسُلٍ جميلٍ للعين والقراءة معاً، من مجلسٍ بلديّ إِلى التالي، ومن رئيس بلديةٍ إِلى التالي، مع صُوَرٍ عتيقةٍ للزوق العتيقة دُروباً وزواريبَ وبُيوتاً وسُوقاً تجارياً فريداً في لبنان، ومقرّاً بلدياً يتنقَّل من مبنى إِلى مبنى، حتى كانت سنة 1963 بوصول المحامي نهاد نوفل إِلى رئاسة البلدية حاملاً في تطلُّعاته أَحلاماً لبلدتِه راح يُحقّقها مشروعاً بعد مشروع، كما يُفَتِّح زهرُ اللوز مواسمَ المرصبان من موسم إِلى موسم.

          ومثلما اختَزَل نهاد نوفل الـمقارَّ جميعاً في صرحٍ واحد سمّاه “القصر البلدي”، هكذا تابعَ المشاريعَ جميعَها: بُنْيةً تحتيةً، بُنْيةً فوقيةً، طابَعاً تراثياً، نهضةً ثقافية، مدْرجاً رومانياً، سُوقاً عتيقاً مُرمَّماً على صورة عِتْقِه التراثي، بيتاً حِــرَفياً فريداً، بيتاً للثقافة والشباب، حدائقَ عامّةً رائدةَ النشأَة، متاحفَ للأَدب والنول، راهناً قصراً للرياضة والمسرح، شوارعَ مضبوطةَ النظام، وشرفاتٍ تَضحَك بأَزهارها في وجه الشمس، ودَرَجاً للقمر يَرتَقيه عشّاق الجمال، حتى صحَّت مقولةُ نهاد نوفل: “إِبْتَسِمْ أَنتَ في زوق مكايل”.

          كتاب “مئوية التأْسيس وخمسينية النهضة” يَجدُر أَن يكونَ إِلى مكتب كُلّ مجلسٍ بَلديّ في لبنان، ليُوحي إِلى مَــن في خياله أَحلامٌ كبيرة بأَنْ لا مستحيلَ أَمام الإِدارة الرشيدة والرؤْيوية، ولا عائقَ أَمامَ مَن يُريد أَن يَنهضَ بـبلَديّــته لينهضَ ببلْدته وينهض ببَلَده.

          هكذا يولدُ تاريخُ لبنان الحضاريّ من تاريخ اللبنانيين، فلا تعود البلديةُ مرجِعَ خدماتٍ عامّة بل تتحوَّل مرجِعاً للمستقبل طالعاً من حاضرٍ يَعرف مُـخْلِصوهُ كيف يُـحَــوِّلون الشأْن العام تطلُّعاً إِلى نهضة لبنانية عامة.