هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 134
“رحلة سياحية بين مَعالم طرابلس الأثرية”- رياض دبليز
الأَحَـــد 15 أَيلول 2013

كَأَنّها كوكَبَةُ كنوزٍ تاريخيةٍ على أَرضِ لبنان، هذه الواحةُ التي يَصُحُّ أَن نُسمِّيَها أَوّل أُمَمٍ متّحدةٍ في العالم وأَن تكونَ نشأَتْ على أَرض لبنان، مذ كان يلتَقي فيها حُكّامُ المدُن الفينيقيّة الثلاث: صور وصيدا وأَرواد، يتشاوَرُون ويتداوَلون في شؤُونِ مُدنِهم ورِفْعَةِ شعوبِهِم، فَسُمّيَت البُقعة “الـمدينة الـمُثَلَّثة” (Tri-polis) ومن هُنا اسمها الشائع “طرابلس”.
بهذا المنطق وضَع ابنُ طرابلس رياض دبليز كِتابَهُ “رحلة سياحية بين مَعالم طرابلس الأَثرية” سنة 1997 في 208 صفحات حجماً موسوعياً كبيراً لائقَ الطباعة نُصُوصاً وصُوَراً وأَلواناً بدءاً من شعار طرابلس ذي الدلالة: “طرابلس مَهدُ الديمقراطية ودارُ العِلْم”.
يَستهلُّ الكتابَ تصديرٌ من المؤرّخ الدكتور عُمَر عبدالسلام تدمري وفيه أَنْ “منذ أَسَّس الفينيقيون طرابلس، وهي ذاتُ موقعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ وثقافِـيٍّ وعُمرانـيٍّ مُـميَّز على الساحل الشرقي من البحر المتوسّط، أَسّسها الصُّوْريُّون والصَّيدونيُّون والأَرواديُّون فأَضحَت عاصمة اتحاد المدُن الفينيقية”. ومع مرّ العصور }فينيقيّاً ورومانيّاً وإِسلاميّاً راشديّاً فأُمويّاً فعبّاسيّاً ففاطميّاً فمملوكيّاً فعثمانيّاً{ ظلّت طرابلس ذاتَ موقعٍ فريدٍ بين مدُن الجوار والأَقاليم والأَمبراطوريات.
بعد التصدير نبذةٌ موجَزة عن تاريخ طرابلس التي، منذ أَسَّسها الفينيقيُّون (ترجيحاً في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد)، تكتَنِزُ في أَرضِها آثاراً تلوَ آثارٍ وحَضاراتٍ وصِناعاتٍ وحِرَفاً، ما يجعلُ واحاتِها الأَثريةَ أَغنى من أَن تُحصى في تَعداد، وهي أَغنى مدُن لبنان بآثار المرحلة المملوكية. ويأْخذنا الكتاب داخل المدينة في جولةٍ مُـمتعةٍ تبدأُ بقلعة طرابلس (وصمودِها عشرَ سنواتٍ أَمام غزَوات الصليبيين) مروراً بأَحياء طرابلس القديمة وبوّاباتِها (من بوّابة التلّ إِلى باب الرّمل فباب التبّانة فباب الحدّادين فباب القلعة) وصولاً إِلى باب الحديد (تحت القلعة)، ومعظم هذه الأَبواب اندثر إِلاّ باب التبّانة وباب الـمَهاترة.
نُكملُ الجولة إِلى زيارة المقامات الدينية: الجامع المنصوريّ الكبير (أَقدم وأَكبر جامعٍ مَـملوكيّ)، جامع الطحّام، فجامع طينال (الفريد الهندسة والبناء)، جامع الحميدي، جامع ومدرسة القرطاوية، جامع ومدرسة البرطاسية (بهندسته الأُموية الأَندلسية المغربية)، جامع التوبة (بمئذنته المثَمَّنة)، جامع الأُويسِيّة، جامع العطّار (وفيه أَعلى مئْذنة في طرابلس)، الجامع المعلّق والمدرسة المحمودية، فجامع سيدي عبدالواحد، وجامع الحُجَيْجية، فجامع أَرغون شاه، فجامع غازي، فالجامع الكبير العالي، فتكيّة الدراويش، فجامع البدّاوي. ومن المدارس: المدرسة النورية، فالمدرسة العجَمية، فمدرسة الطواشية، فمدرسة المشهَد، فالشمسية، فالشيخ الدهّان (وفيه ثلاثةُ أَضرحة)، فالمدرسة الخاتونية، فالمدرسة الظاهرية، فالمدرسة الناصرية، فالمدرسة الماردانية، فالمدرسة القادرية.
ونمرُّ بساعة طرابلس التي، منذ سنة 1902، ينامُ الطرابلسيون على دقّاتِها ويستيقظون على رنين أَجراسِها.
ومن الأَجراس إِلى كنائسَ يُقالُ أَنْ لو بقيَت على حالِها منذ الصليبيين لكانَت طرابلس اليوم أَغنى مُدن المنطقة بأَماكن العبادة. ففيها للموارنة كنائسُ السيّدة ومار ميخائيل ومار مارون، وللروم الملكيين كنائسُ مار جاورجيوس والسريان والإِنجيلية المعمدانية، وللروم الأُرثوذكس كنائسُ مار جاورجيوس ومار الياس ومار يعقوب، والقديس توما في جزيرة عبدالوهاب قبالة الميناء.
وبعدما نمرُّ بالحمّامات (العَبد، الحمّام الجديد، الحاجِب، المقلوب) نُطلّ على السبعة الأَبراج: برج السِّباع (من أَجمل العمارات الحربية الإِسلامية)، برج الشيخ عفّان، برج رأْس النهر، وصولاً إِلى الخانات “فنادق” ذاك الزمان: خان الصابون، خان الخياطين، خان العسكر، خان المصريين، خان التماثيلي، خان المنزل، وختاماً سوق حْراج والخانْقاه في محلة الحدادين.
زيارةٌ مُمتعةٌ إِلى طرابلس الأَثرية أَودَعها رياض دبليز هذا الكتابَ الأَنيقَ نَصّاً وصُوَراً ورُسوماً ومخططاتٍ بيانيةً، شهادةً لــمدينةٍ هي مِن أَجملِ مُدُنِ لبنان حَضارةً وتاريخاً وعُمراناً وشَعباً لبنانياً أَصيلَ الوفاء والانتماء.