هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 133
“دوما… حكاية قصَبة مشرقية”- مازن عبود
الأَحَـــد 8 أَيلول 2013

في 170 صفحة قطعاً كبيراً تتداخل فيها النصُوص والصُّوَر، أَصدر مازن عبوّد بدعمٍ من وزارة السياحة سنة 2007 كتابَ “دوما… حكايةُ قصَبة مشرقية” روى فيه فصولاً منوّرةً من قصّة بلدته المعلّقة على حافّة وادي نهر الجوز الموازي وادي قديشا في بقعةٍ جُرديةٍ كانت ذات فترةٍ عاصمةَ تلك الناحية من جبل لبنان القديم.
فعَن المؤرّخ كمال الصليبي أَنّ “فهم

قصّةِ هذه البلدة يُساعد على فَهم تاريخ منطقةٍ رئيسةٍ في التاريخ اللبناني”.
وعن المؤرّخ أَلبرت حوراني أَن “دوما كانت زهرة تلك الناحية بين القرن السادس عشر ومطالع القرن العشرين، لكنّ دورها الكبير تقلّصَ بعدما ازدهرَت مدنُ الساحل منذ الثورة الصناعية”.

وفي مرجع ثالث أَنّ “دوما بَنْدَرٌ جميل وقصبةٌ مميزة فريدة، جمالُها في بساطتها، وفي موقعها الجغرافي، وحضورها الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ، لأَنّها إِبّان الصراعات المتتالية في مناطق لبنان ظلّت بعيدةً عن ساحات الصراع فكانت ملجأً وملاذاً وناحيةً هانئة في قلب لبنان”.

لتكوين دوما أُسطورةٌ طريفةٌ عن قلعتَين متقابلتَين إِحداهما للإِنس والأُخرى للجِنّ يتناقلها أَهل هذا البندر من جيلٍ إِلى جيل لترسيخ التفاعل الاجتماعي بين أَهل القصبة والعائلات.
تزدهي دوما بين غابَتَي أَرز جاج وأَرز تنورين عريقةً من العهد الفينيقيّ عراقةَ زيتونات بْشعله أَقدم أَشجار الزيتون في المشرق، وتمرّ في العهدين اليوناني والروماني، ويمرُّ بها الفتح الإِسلامي والصليبيون فالمماليك فالعثمانيون الذين أَحرقوها لأَنّ أَهاليها امتَنَعوا عن دفع الضرائب للباب العالي. ويُبرزُ الكتاب أَهميةَ بندَر دوما المزدهر خصوصاً في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر، ما جعلَها محطّةً مهمّة على طريق القوافل، يقصُد سوقَها الشهير أَهلُ المناطق المجاورة.
من أَقدميات دوما أَوّل كوميسيون بلدي سنة 1881، وازدهارُ سوقِها تجارياً وإِدارياً وشعبياً وصحّياً واجتماعياً. فعَن الرحّالة الأَلماني سيتزِن في مطلع القرن التاسع عشر أَنّ الحديدَ كان يُستخرَج من الجبال المجاورة ويُؤْتى به إِلى سوق دوما لصناعة البنادق والسيوف والمسامير والأَدوات الزراعية. وتزدهي دوما بمرور يوسف بك كرم فيها ذهاباً وإِيّاباً خلال معاركه المتواصلة.
القرن التاسع عشر شهِدَ ظهور جمعيات أَهلية دومانية ونادٍ ثقافي رياضي، وفي نهاية القرن شَهِدَت البلدة رحيلَ الكثير من الدومانيين إِلى بلاد الهجرة الواسعة.
علاقات دوما مع روسيا القيصريّة أَثَّرت في حياة البلدة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وأَنتجت مدارسَ وجمعياتٍ ومسرحاً سنة 1885 كان الأَول في المشرق العربي. وعلاقاتها بالمرجعيّات الدينية وخصوصاً بالكنيسة الأُرثوذكسية والمرجعيات السياسية جعلَت لها مكانةً عُليا فَلَجأَ إِليها مجموعُ مَنفيّين سياسيين، أَبرزهم سليم علي سلام، سعدالله الجابري، فوزي العزّي، وسواهم.
منذ مطلع القرن العشرين عرفت دوما صالة سينما (“سينما فؤاد”) وازدهرت مقاهيها حركةً مباركةً خلال الصيف، واشتُهرت أَعيادُها وكنائسُها وأَديارُها ومؤهّلاتِها السياحية وأَماكن الضيافة فيها، تركيزاً دائماً على سوق دوما الشاهِد من حقبةٍ إِلى حقبة على تطوُّرها قصبةً وبلدةً ومدينةً دائمةَ الحيوية.

مازن عبّود، في كتابه “دوما… حكايةُ قصَبة مشرقية” أَرّخ لِـمدينته جيولوجياً وجغرافياً وتاريخياً وديموغرافياً بما يَجعلها مُشَوِّقةً للسوى بقدرِما هي مُشوَّقَةٌ لدى أَهلِها المغتبطين بها حتّى التعلُّق بأَصغَرِ شريانٍ في كل جذع من جذوع أَشجارها المباركة.