هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1115: عندما يزول الطـُّـغيان

الحلقة 1115: عندما يزول الطُّغيان
(الأَربعاء 4 أَيلول 2013)

عن إِحصاءات “جمعية التجَّار البريطانية” أَنّ عائدات السياحة في لندن ستبلُغ مع نهاية الصيف 4 مليارات سترليني، بينها مليار و300 مليون سترليني من السيّاح العرب، سَعوديين وإِماراتيين وكويتيين، رفعوا المبيعات 36%، ورفعوا 14% فرصَ العمل في الـمَحالّ والمطاعم والفنادق، ما جعل المسؤُولين يُخصِّصون لهؤلاء السيّاح موظَّفين عَرَباً للمخاطبة والخدمة، وما شكّل ارتفاعاً مثمراً في الإِشغال والعائدات لدى القطاع الفندقي، لأَنَّ السيّاح العرب أَمْضَوا في لندن ردحاً كبيراً من هذا الصيف.
نُـهنِّئُ لندن بعائداتِ السياحة العَرَبية فيها، ونُوجَعُ لبيروتَ اليوم بغيابِ السياحة العَرَبية عنها وعن كلّ لبنان.
هذا في لندن. فماذا عن “سياحة الدِّكتاتور” في “تَرْغُوﭬـيسْتا” المدينةِ التي اعتَقَلَ فيها ثُوّارُ رومانيا دِكتاتورَهم الهارب نيكولاي تْشاوشِسكو وزوجتَه وحاكموهما وأَعدموهما رمياً بالرصاص فسقطا مُضَرَّجَين بدمٍ ساخنٍ كان بارداً حين قتلَ 60 أَلف مواطن روماني؟
في تلك المدينة، على 100 كلم من العاصمة بوخارِست، افتتحَت الدولة قبل يومين متحفاً سَـمَّته “سياحة الدِّكتاتور”. وفي حديثٍ إِلى وكالة “رويترز” قال مدير المتحف أُوﭬـيديو كارْسْتينا إِنَ الرومانيّين والسيّاح من كلّ العالم سيَزُورون الجدار الذي رُبِطَ إِليه المجرمُ الطاغيةُ وزوجتُه وانهمرَ عليهما رصاصُ الإِعدام نهار عيد الميلاد (25 كانون الأَوّل 1989). وكان ذاك الإِعدامُ خاتمة عشرين عاماً من حُكْمٍ دكتاتوريّ استبداديّ تَرَكَ الشعب بلا خُبز ولا كهرباء، رازحاً تحت نظامٍ توتاليتاريٍّ مُـخابراتِـيٍّ ظالِـمٍ بعبادة شخصية الحاكم تسانده السيّدةُ الأُولى طغياناً وصَلَفاً وسيطرةً على الحكْم.
منذ الأَحد الماضي بدأَ السيّاح يتوافدون إِلى هذه الثكْنة العسكرية القديمة يسترجعون، بالذكرى وبالمنشورات الموزَّعة، مرارةَ حكْم تْشاوشِسكو، وملاحقتَه الأَحرار، وإِسكاتَ الأَفواه والأَقلام، وإِرعابَ الشعب، وإِطلاقَ العسكر في قتْل الناس وسَحْلهم وإِخفائهم وأَسْرهم وتعذيبِهم، ويتذكَّر السيّاح أَو يقرأُون كيف هرَبَ الطاغيةُ وزوجتُه من القصر بعد خطابٍ تهديديّ فلاقاهما حاجزٌ على طريق “تَرْغُوﭬـيسْتا” سلَّمَهُما إِلى محكمةٍ ميدانيةٍ حكمَت عليهما بالإِعدام ونفَّذَتْه رمياً بالرصاص.
في هذه الثكْنة الرمادية الجدران: سريران حديديَّان نام عليهما الطاغية وزوجته إِيلينا قبل الإعدام، ومعطفَان شتويّان ثمينان كانا يرتديانهما في هروبهما، وقفصُ اتهامٍ موقَّتٌ تبلَّغَ فيه الزوجان الـمُجرمان حكْم الإِعدام، وعلى الجدار في الخارج آثارُ رصاصاتٍ نَـخَرت جسدَيهما فانهارا صريعَين عند قَدَم الجدار. في مدخل المتحف شاشةٌ كبيرةٌ تَـبُثُّ وتُعيدُ شريط المحاكمة وتفاصيلَ الإعدام وسقوطَ الجثتين، ووثائقياً عن الفَحش في مصروف قصر الرئاسة الذي بات اليوم هو الآخَر موقِعاً سياحياً زاره العام الماضي 144 أَلف سائح.
هكذا إِذاً: ليس للسياحةِ وُجهةٌ واحدةٌ ولا نُقطةُ جَذْب مُـحَدَّدة: هي ذي في لندن سياحةُ الفنادق والخدمات، وهي ذي في تَرْغُوﭬـيسْتا “سياحةُ الدِّكتاتور” لا لتمجيدِ شخصِ الحاكم بل للاتّعاظ من نهاية حُكْمه ودِكْتاتوريّته وتوتاليتاريتِه وتنْكيله بشَعبه ووُعُوده الكاذبة وخُطَبه الكاذبة وسياسته الكاذبة والفحْشِ في حياته، والشعبُ يحترقُ في نيران الفقر والخوف والرعب من رجال المخابرات ورهبة السجون والأَحكام التعسفيّة بالتعذيب والموت، وهي نهايةُ كُلّ طاغيةٍ مع مواطنين يتَسابقُون لتمجيدِه خوفاً ورهبةً، حتى إِذا سقطَ تسابَقوا على تَـحطيم تَـماثيلِه وصُوَرِه ومقْتَنياته ومَـحفوظاتِه وذِكْره وذكراه، ويُنشِئُون متحفاً في حيثُما سقَطَ جُثَّةً صرعى بعدما صرَعَ شعبَه جُثَثاً وهو راتعٌ في قصره الوثير ظَنّاً منه أَنه بعيدٌ عن غضَب الشعب ونقمتِه وانتقامِه الكاسر.