هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1113: على أيِّ أطلالٍ يـَـتباكون!!!

الحلقة 1113: على أَيِّ أَطلالٍ يَــتَــبَــاكـــون !!!
(الأَربعاء 21 آب 2013)

بقدْرِما كانت فاجعةُ الرويس قاسيةً قاصمةً في نسيج البُنيَة اللبنانية، كانت، مع الأَسف، فاتحةً شهيَّةَ السياسيين كي “يَسْبَطِرُّوا” أَمام كاميرات التلـﭭـزيون، أَو ربما هُم يَستقطبونها، ليُدلُوا بتصاريحَ باردةٍ مُسَطّحة مكرَّرة مَكرُورة مستأْسِفين مستهجِنين مستنكرين العمل الهمجيّ البربري المجرم الفاحش، من دون أَن يَنْسوا مطالبة الدولة بكشف الحقيقة والضرب بِيَدٍ من حديد وإِلقاء القبض على الفاعل وتسليمِه إِلى القضاء المختص. وطبعاً بدون أَن ينسوا كذلك البكاء والاستبكاء على الشُّهداء والضحايا والتضامُنَ مع الجرحى والمصابين، واستقطارَ الحنان والحنين على شعبنا وإِخوتنا في الضاحية الجنوبية وضرورةَ الاتفاق والالتفاف وتوحيد الكلمة. ومع وقْف الكاميرا بعد التصريح، يعودون إِلى بيتهم الـمُبَرَّد في الـمدينة أَو البارد في الجبل، وينصرفون إِلى عائلاتهم أَو أَصدقائهم أَو بيئتهم، ويكملون نهارهم ومن حين إِلى آخر يتابعون على شاشة التلـﭭـزيون أَعمالَ الإِنقاذ في مكان الكارثة.
مع الأَسف، قلتُ؟؟؟ بل أَكثر: مع الغضَب والاشمئزاز، لاستغلالِهم فرصةَ الفاجعة كي يقذفونا بتصاريحهم الفارغة.
تصاريح تصاريح… تنظير تنظير… كلمات كلمات… ومواقفُ باردةٌ أَمام نارٍ تُحرِق الأَجساد والقُلوب والآمال.
ماذا فعلَ هؤلاءِ غيرَ التصاريح أَمام الكاميرات والتنظيرِ لـمَندوبي الصُّحف والإِذاعات وتَرَقُّــــبِــهم تصاريـحَهُم مساءً في نشرات الأَخبار؟
هل واحدٌ منهم تبرَّع براتبه أَو بـجُزءٍ منه أَو بمبلغٍ متواضعٍ للَّجنة العليا للإِغاثة أَو لفريق الإِطفاء أو فِرَق الإِسعاف؟
هل واحدٌ منهم قصدَ مستشفى أَو تبرَّع لـمُستشفى أَو اتصَل بـمستشفى ليُسهم، ليُساعد، ولو ان وزارة الصحة تعهَّدت التطبيب؟
هل واحدٌ منهم سأَل عن دواءٍ يمكن أَن يقدِّمه لـجريح أَو مـحروق أَو مُصاب؟
هل واحدٌ منهم قدّم سيارته أَو طائرته لينقل جريحاً في حالة خطرٍ تستوجب معالجةً في الخارج؟
هل واحدٌ منهم هرَعَ إِلى أَقرب مركز للصليب الأَحمر وتبرَّع بالدم لعلّ بين الـمصابين مَن يحتاج كميةً من فئة دمه؟
هل واحدٌ منهم قدَّم مكاناً أَو شُقّةً أَو ملجأً لـمَن مِن أَهالينا في الضاحية الجنوبية باتوا بلا بيت ولا مأْوى ولا فراشٍ ينامون عليه؟
فاجعةٌ بهذا الحجم الـمُجرم، أَلا تستدعي اجتماع الحكومة أَو التوجُّه إِلى الـمَحافل الدولية رافعين الصوت من إِرهاب يقضُمنا يوماً بعد يوم وانفجاراً بعد انفجار واغتيالاً جَـماعياً بعد اغتيال فرديّ؟
الإِعلام يَبحث فوراً عن “سْكوپْ” (سَبَق) إِعلامي ليتسابقَ على تصوير الأَشلاء والحرائق والدخان وإِحصاء القتلى والجرحى والركض وراء السياسيين لاستصراحهم أَو الدقّ على أَبوابهم لأَخذ رأْيهم أَو استضافتهم في برامج “توك شو” مُـملّة مـمجوجة متشابـهة تَتَمَسْرَح للسياسيِّين كي يُنَظّروا ويطالبوا الدولة بالعمل السريع على كشف الـمجرمين كأَنما هم من الـماوماو أَو الزامبيزي ولا علاقة لهم بحكومة لبنان وشعب لبنان ومراكز القرار في لبنان.
هذا الإِعلام عندنا… ماذا فعَلَ غيرَ نقْل الـمَشاهد التي تعصُر القلب على كلّ جريح وتقزِّز النفس من كلّ تصريح؟
هل فكَّر تلـﭭـزيون عندنا أَن يفتح شاشته لِـــ”تِــيــلِــيتُــون”طويل نهاراً كاملاً لتَبَرُّع الـمواطنين في لبنان وفي عالم الانتشار اللبناني حيث اللبنانيون يتابعون من الفضائيات مشاهدَ كارثةٍ وراءَ كارثةٍ فيساعدون بتبَرُّعاتهم وينقذون محتاجين، عوض ما يشاهدونه مـمّن يَبكُون ويستبْكُون ويستنكرون ويأْسفون ويؤَاسون ويتَّهمون ويُنَظِّرون ويُـحلّلون ويهاجمون أَخصامهم السياسيّين إِرضاءً لأَسيادهم القادة الزعماء ؟
هل خصَّصَ تلـﭭـزيون عندنا حلقاتٍ تُـتابع الضحايا والجرحى والمنكوبين وتَـحترم الحزن البالغ والحِدادَ العام في الوطن، وتُوَجِّه الناس للتضامن الوطني وتضميد الجراح ومساعدة الـمحتاجين ميدانياً عمَلياً لا لفظياً و”تصاريحياً”؟
الوطنُ المنكوب لا يُنْكَبُ بأَحداثه وضحاياه، بل يَنْكُبُهُ التنظيرُ السياسيّ عند وقوع النّكبة، وانتظارُ وقوع الجريمة لتشكيل لِـجان تـحقيق، ويَنْكُبُهُ، لشدَّة نكبته بـمسؤوليه، أَلاّ يكونَ فيه مَن يأْتي من الغَدِ فيستَبِقُ الكارثة ويَتَجنَّبُها لاجتناب سقوط العشرات من الضحايا الأَبرياء.