هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

807: في تقويم أسباب الفشل (2/3)

في تقويم أَسباب الفشل (2/3)
السبت 24 آب 2013
-807-

اللغةُ أَساس التطوُّر. وقياسُ التقدُّم في الوطن يعزى إِلى لغته. من هنا القول: “وطنُ الإِنسان لغتُه”.
وقد تكون عاملَ تخلُّفٍ حين تقصِّرُ عن مواكبة التقدُّم والتطوُّر، فتـمسي لغةً ميتة ولا تعود لغة تَواصُل. عندئذٍ يؤَدِّي التخلُّف اللغويّ إِلى تخلُّف اقتصادي وعلْمي وأَدبي، فيتقلَّص التعامل بهذه اللغة إِلى الحد الأَدنى، إذ لا يمكن عزل المنظومة التربوية عن الإِصلاح العام الذي ينشأُ في وطن هذه اللغة.
العربية بين أَبرز اللغات الرافدةِ لغاتٍ أُخرى. وليست أَبداً عاجزة عن التواصُل فالتطوُّر. لذا لا يُعزى الفشل إِليها بل إِلى منظومة لغوية تَعجزُ عن تأْمين الطرائق لتدريسها لغةً أُمّاً، ولغةً رسميةً، وناقلةَ حضارةٍ وثقافةٍ وتراث، وهذا ما يحصل عندما التعاملُ المدرسيُّ معها يُقَزِّمها إِلى مُـجَرَّد مادة تدريسٍ ولا يجعلها أَداة معرفة وتَخاطُب وتعبير خارج حصص المدرسة وفروض الكتابة والقراءة، في حين المطلوب إِيصالُها إِلى قيَمِها العالية: في الحياة اليومية والمفاهيم العلمية والتاريخية والثقافية.
هذا هو المرتجى من آليات التعليم لإِيصال التلميذ إِلى استعمال مهاراته في التعاطي مع اللغة تعبيراً شفوياً وخطّياً، واستيعاباً سمعياً وكتابياً.
المشكلة إِذاً هي التخبُّط في آليات تدريس العربية وحصرها بساعاتٍ ضئيلةٍ يتَلقّاها في الصف، عوض إِدماجها في حياة التلميذ اليومية كي تكون جُزءاً من نشأَته يتنامى مع نضجه الحياتي.
ما نعايِنُه عندنا ومنه نُعاني، ونقولها بأَسف فاجع، أَنّ تدريس اللغة العربية في معظم مدارسنا يتقلَّص الاهتمام به أَمام تدريس لغاتٍ أَجنبية تزخر بـمهارات وآليات وطرائق ووسائل ووسائط تـحفل بها المدارس فتعطيها الحيِّز الواسع من الساعات والاهتمام، وتتعاقد لها مع أَفضل الخبراء والمنسّقين والمدرّسين والمنشّطين، وهو ما لا يتمّ بهذه الدقة وتلك الأَنشطة للّغة العربية. لذا يَجْنَحُ التلامذة إِلى الاستئناس أَكثر باللغة الأَجنبية ووسائطها ومهاراتها، ويُشِيحون عن عربية تُبقيهم فقط عند مستوى قراءة الدرس الجامدة في الكتاب ثم حلّ التمارين حول النص، وغالباً ما يكون النص غير سلس والأَسئلة حوله غير سائغة، فيبتعدُ معظم تلامذتنا عن العربية صفاً بعد صف، حتى يبلغوا الصفوف العليا منهَكين بضعف فاجع في اللغة العربية يؤَدّي بهم إِلى الإِشاحة عنها فالفشل فيها فالرسوب في الامتحان الرسمي بالأَعداد الكارثية التي شهدناها قبل أَيام.
العربية تضْؤُل في المدارس لضآلة أُفق الوسائل والطرائق التعليمية وهُزال بعض الكتُب المدرسية التي تُنفِّرُ تلامذتنا من اللغة العربية، وهو ما سأَعود إِليه في الحلقة الثالثة والأَخيرة من “أَزرار” السبت المقبل.