هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1112: سياسة الانفصام عن الواقع

الحلقة 1112: سياسة الانفصام عن الواقع
(الأَربعاء 14 آب 2013)

الشابة ستيفاني بانِيسْتِر (27 عاماً) تقدَّمت بترشُّحها للمجلس النيابي الأُسترالي عن منطقة رانكِن في مقاطعة كوينزلِند. سوى أَن تصريحاً لها أَرعَنَ غبيّاً كلَّفها سُخطَ الإِعلام عليها وموجةَ استياءٍ وتعليقاتٍ ساخرةً في صفوف المواطنين، لِـجَهْلها الفاضح في التصريح بأَن “الإِسلامَ بلدٌ” لا تحبّذ قوانينه تَدخل أُستراليا، وبأَن “اليهود يحقُّ لهم تحريمُ أَو تحليلُ بعض المآكل لأَن لهم دينَهم الخاص الذي يتّبع تعاليم يسوع المسيح”.
طبعاً لا مَـجال للتعليق على كلامها الأَحمق فجوابُها ذاتُه يَدينُها. ولا نستغرب بلاهةَ جيلٍ جديدٍ من الغرب أُمِّيٍّ في شؤون سواه، لا يعرف ما يدور في العالم حوله بل ربما يجهل معظم ما يدور في بلاده ذاتها. ولا نستغرب أَن تجهل هذه المرشَّحَة شؤوناً من الشرق أَو عن دين السوى، أَو عن شأن سياسي أَو أَمني دولي، وهي ظاهرة حمقاء تدلُّ على الجهل وعدم الخبرة بأُمور السوى الدولية.
لكننا نستغرب هذه الظاهرة الحمقاء عندنا بالذات، أَن يجهل مسؤولون عندنا بالذات ما يجري عندنا بالذات، هنا محلياً عندنا بالذات، ووطنياً عندنا بالذات، كأَنهم يعيشون في كوكب آخر، وينظرون إِلى ما عندنا من منظار بعيدٍ خارج ما عندنا.
فهذا مسؤولٌ يدَّعي أَن البلد بخير ولا داعٍ للخوف من زيارته أَو للسياحة فيه، ولديه مخارج كثيرة لـتسهيل مجيء المغتربين والسيّاح والحفاظ عليهم.
وهذا مسؤولٌ يدَّعي أَن البلد ممسوك والأَمن فيه مستَتِبّ، وهو يسعى وسيسعى وسوف يسعى وسيبذل قصارى جهده ولن يدع وسيلة إِلا ويستخدمها لفرض الأَمن وبَسْط الأَمان وحماية جميع اللبنانيين وجميع مَن على الأَراضي اللبنانية.
وهذا مسؤولٌ لا يقوم بواجبه مع المحافل الخارجية ويبرّر ما يجري في المناطق الداخلية بأنه لا يستوجب تقديم شكوى أَو إِطلاق اعتراض أَو التوجُّه إِلى المراجع الدولية المعنية لحماية شعبنا ووطننا من الأَسوإِ أَو من مخاطر قد تترتب على تَلَكُّؤِهِ المشبوه.
وهذا مسؤولٌ يدافع عن جهات خارجية تتدخَّل في شؤوننا، ويبرر تدخُّل جهات محلية بشؤون خارجية، لأَن له انتماءات ينفّذ أَوامرها وتعليماتها.
وهذا مسؤولٌ يهنِّئ نفسه على إِنجازاته العظيمة، وهي من أَبسط واجباته الحكومية، هذا إِن كان هو فعلاً وراء هذه الإِنجازات.
وهذا مسؤولٌ يجهل حركة السياسة الخارجية وما تحوكه الدول وتمدُّ شبكات أَعمالها وعمّالها وعملائها، فيصرِّح بسذاجة مسطَّحة جاهلاً ما يجري عندنا وما يترتّب عندنا بسبب تصرُّفات السوى على أَرضنا أَو تصرُّفاتٍ مِن عندنا على أَرض السوى.
وهذا مسؤولٌ يَتَعَنْتَر أَمام جماهيره التي تجتمع أَمامه لتصفِّق له ببّغاوياً.
وهذا مسؤولٌ يوقِّع عقوداً مع أَطباء من جماعته درءاً للكوارث الزراعية.
وهذا مسؤولٌ ينعى بأَن الدولة على حافة الإِفلاس وأَنها مسؤولة عن هذا الإِفلاس، كأَنه من المرّيخ وليس من أَركان الدولة.
وهذا مسؤولٌ يرى، لشدّة جهله، طبيعياً أَن يخرج من نهر بيروت تمساحٌ خطر، لذا لا يحرّك ساكناً لإِنقاذ الناس من خطره.
وهذا مسؤولٌ يتباكى أَن لا ميزانية لديه ليستدرك أَخطار الشتاء على مفاصل البنية التحتية.
وهذا مسؤولٌ تأَثَّر بجيراننا الأَتراك وحريم سلطانهم فضَيَّفَنا باخرَتَين: إِحداهما جُثة والأُخرى على طريق الاستشهاد قبل وصولها.
العالم حولنا في بركان يتفجَّر بين الأَخطار والفواجع والمآسي، وهؤلاء الذين عندنا يلتهَّون بسياسات زورايبية وعنعنات سياسية وحزبية وطوائفية وكيدية، جاهلين أَن النار حولنا تستدعي تلاقي المسؤولين عوَضَ تناهُش بعضهم بعضاً فوق انهيار الوطن حجراً حجراً وهم غافلون مُتَلهُّون بحزازاتهم الشخصية وتصاريحهم المشخَّصة وعنترياتهم الشخصانية.
إِلى أَين يسير بنا هؤلاء؟ إِلى أَين يسيرون في وُجْهَةٍ، والوطن في وُجْهَةٍ أُخرى؟
الذين لاموا ستيفاني بانِيسْتِر في أُستراليا على غبائها عما يجري في الخارج، ماذا سيقولون عن مسؤولين عندنا يجهلون ما يجري في الداخل، ويدَّعون بأَنهم حُرّاس الداخل والعارفون بكل خارج وداخل، وهم أَجهلُ الجاهلين بأَسرار الدواخل؟؟؟