هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

805: في ثقافة الرعاية الفنية (2/2)

في ثقافة الرعاية الفنية (2/2)
السبت 3 آب 2013
-805-

بين نقاط الحمَلات الرئاسية الفرنسية الأَخيرة: “الرعاية الثقافية”، عنصراً رئيساً في برنامج الرئيس العتيد.
يومها تبيَّن أَن المرشَّح نيكولا ساركوزي كان “خلال ولايته الرئاسية المنتهية خفَّضَ نسبة الدعم الحكومي للثقافة 35%”، بينما وعَد المرشَّح فرنسوا هولاند بـــ”حوافز ضريبية مغْرية لداعمي الثقافة تَـحُثُّهم على الرعاية الثقافية بتشجيع أَعمال إِبداعية ذات منفعة عامة”.
الرعاية الثقافية أَولويةٌ لدى الحاكم، أَساسيةٌ لدى المبدع، ضروريةٌ لدى الوطن. وتمويل الأَعمال الإِبداعية عصَبٌ تؤمِّنه الدولة لتَأْمَنَ نهضتَها الثقافية وتالياً إِرثها. لذا على الحاكم أَن تكون له رؤْية ثقافية يوجِّهُ بها سياسةً ثقافية ذاتَ خطة مبرمجة بجداول زمنية وتصاميم إِنجازاتٍ يتابع تنفيذَها أَو يَدعم مَن يُشْرف على تنفيذها.
الرعايةُ الثقافية لا تعني “السلطة” الثقافية توتاليتارياً. الرعاية الرسمية تَدعم، تُساعد، تَبحث عن طرُق وحوافز تجعل الداعمين يقْدمون على الدَّعم، والمشجعين يقْدمون على التشجيع، لقاء مردودٍ معنويّ أَو اجتماعيّ أَو شخصيّ. وقد تقوم شراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام تشكّل نواةَ اقتصادٍ ثقافي مثمر. فلا يمكن الإِنتاج الثقافي المدعوم أَن يكون مجانياً أَو تطوعياً لأَنه قد يَحدُث مرة ولا يتكرّر، بينما العملُ الثقافي استمراريةٌ ذاتُ منافع معنوية رفيعة، ومنافع مادية غير ضئيلة إِذا أَحسن المعنيون في الحكم إِدارة هذا الشأْن بأَعلامه وأَعماله.
مهمّة الدولة أَن تُسهّل بوسائلها واتصالاتها وصولَ الناشطين الثقافيين إِلى مصادرَ تمويل أَو مراجعَ تشجيع أَو داعمين مضمونين فتكون للرعاية الثقافية ثوابت تُطَمْئِنُ الرّاعي والـمرعيّ معاً. ومتى تأَمَّنت الرعاية الثقافية تأَمّنَت الأَعمال الفنية الراقية وتأَمَّن حفظ التراث المادي وغير المادي، ونهضَت البلاد بأَعمال تبدأُ محلية وقد تتوسّع فتكون سفيرةً لبلادها، وليس كالعمل الإبداعي يمثّل بلاده في العالم.
كلُّ هذا يفترض أَن يكون لدى الحاكم اهتمامٌ بالشأْن الثقافي يَعملُ له عبر وسائطه ووسائله من وزارة ثقافة أَو من مصادر أُخرى يوجِّهها ويرعاها. السياسةُ ليست مهمّة الحاكم الوحيدة. هذه آنيّةٌ عابرة. الإِنجاز الثقافي خالدٌ دائم.
مع كلّ بيان وزاريّ جديد، أَروحُ أَبحثُ عن الشأْن الثقافي فيه فيُطالعني كلامٌ عامٌّ باردٌ يَصلح لكلّ حكومة ولكلّ عهد، ولم أَرَ يوماً إِنجازاً تَـحقَّق ميدانياً وكان مُـخَطَّطاً له في بيان وزاري.
الثقافةُ ليست عمَلاً. إِنها فعل. العمَل روتينيٌّ يُواصل ما كان قبله. الفعل خلاّقٌ يَبتكر ما سيكون بعده.
والحاكم الرؤْيويّ مَن يعرف أَن يُـمَيّز بين تصريف العمل الثقافي الروتيني وتوصيف الفعل الثقافي الإِبداعي.
وهنا جوهرُ الموضوع: التمييزُ الواعي بين الفعل والعمل.