هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 123
“أفندي الغلغول”- الدكتور نادر سراج
الأَحـــد 30 حزيران 2013

إِنها بيروت، بيروتُنا الحبيبةُ الغالية، تُثيرُ وتَدفَعُ وتُلهِمُ أَقلامَنا وأَقلامَ سِوانا لسَرْدِ صفحاتٍ منها عابقةٍ بعُذُوبةِ الزمان الماضي وطعْم ذكرياته.
بين أَحدَث الجديد: كتابُ “أَفندي الغلغول” للأُستاذ الجامعي الدكتور نادر سراج مُؤَسِّس “مَرصَد بيروت الحَضَري”.
ولـــ”أَفندي الغلغول” عنوانٌ جانبيّ: “شاهِدٌ على تَحوُّلات بيروت خلال قرن” وعنوانٌ تفصيليٌّ ثالث: “بيروت العثمانية- سيرةُ الأَمكنة والعائلات والحِلّ والتَرحال- هاشِم علي الجمّال العينُ البيروتيّ نموذجاً”.
الكتاب في 240 صفحة قَطْعاً موسوعياً كبيراً تَحتلُّ غِلافَهُ صورةُ “أَفندي الغلغول” الذي غاب سنة 1940 عن 86 سنة.
أَمّا “الغلغول” فمنطقةٌ كانت تُعرَفُ بـ”زقاقِ الجَمّال” أَو “زاروب الجَمّال” جنوبِيَّ سور بيروت القديم تفصِلُ بينها وبين السّور ساحةُ السوّر التي هي اليوم ساحة رياض الصلح. وعن المؤلّف أَن “الغلغلول حَيٌّ بيروتيٌّ شعبيٌّ تقليديٌّ احتضن ذكريات البيارتة”.
وأَمّا “الأَفندي” فهاشم علي حسين الجَمّال أَحدُ أَعيان بيارتة خمسةَ عشَرَ اجتَمعوا غُروب 31 تموز 1878 في دارة الشيخ عبدالقادر قبّاني عند منطقة زقاق البلاط، وأَسّسُوا “جمعية المقاصد الخيرية الإِسلامية”. لذا، يوم توفّي “أَفندي الغلغول” سنة 1940 قال عنه الرئيس صائب سلام إِنّه “كان آخر الأَحياء”.
كتاب الدكتور نادر سْراج من ثلاثة فصولٍ يُشكّل الأَوّلُ منها “سيرةَ أَفندي الغلغول” ونُبذةً عن بيروت العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، انطلاقاً من زاروب الجمّال – أَحدِ معالِم منطقة الغلغول – مُروراً بساحة الـ”عَ السُّور” مَعْبراً إِلى يوميات المدينة، فخُروجِ أَعيان بيروت متدَخِّلين متضامنين لِــلَجْم فتنة سنة 1860، فالزياراتِ إِلى الشام بعرَبات “الديليجانس”، فالانتدابِ الفرنسيّ وتبدُّلاتِ الوثائق الرسمية، وأَحوال التعليم بين سليم علي سلام خطيباً و”أَفندي الغلغول” قارئاً، وشَقِّ الشوارع الـمُستقيمة في بيروت، فأَوضاعِ بيروت الديموغرافية مطلعَ القرن التاسع عشر، وُصولاً إِلى مرافِقَ عامّةٍ ومنشآتٍ ودُورِ عبادةٍ في تلك الحِقبة.
الفصل الثاني يَروي فصولاً عن أَبناء “أَفندي الغلغول” وأَنسِبائهم ووقائع أَيّامهم، من محمد بشير إِلى محيي الدين الضابط العثمانيّ والقاضي الشرعيّ، إِلى إِحسان أَفندي (جدّ المؤلّف) وكان مَأْموراً في وزارة المالية، إِلى مصباح أَفندي الموسيقيّ والمهندس الزراعيّ، إِلى الأَيام الأَخيرة من هاشم أَفندي الغلغول ضيفاً على ابنه عارِف في النّبَك.
ختامُ الكتاب في الفصل الثالث: سيرةُ “أَفندي الغلغول” بالصُّوَر والوثائق منذ فُتُوّةِ هاشم نشأَةً وانتظاماً في الإِطار الثقافيّ الاجتماعيّ العثمانيّ إِلى شغَفه بالتَّصوير والتدوين، إِلى سعْيِه وراء جَمع الصُّوَر، وتشكيلِ مجموعةٍ نادرةٍ لصورٍ عائليّةٍ جماعية من تلك الحِقبة البنفسجية لعائلات بيروت في تلك الفترة.
وعَرَف المؤلّف، باحترافيّته الأَكاديمية، كيف يَنقلُ تاريخَ هذه العائلة من إِطارِها الضيّق الـمَحصورِ والـمَحدودِ بهاشم الجمّال (“أَفندي الغلغول”) تَوَسُّعاً إِلى سيرة بيروت طيلةَ قرنٍ كاملٍ من تاريخها، صفحاتٍ غنيّةً بالنُّصُوص الـمُوثَّقة والصُّوَر القديمة لبيروت القديمة في تلك الأَيام القديمة تَجعَلُ لها مَذاقاً لازَوَردياً ليس يَذبُلُ مع أَيِّ غروب بل يَظَلُّ شُرُوقاً دائماً لعاصمتِنا الغالية بيروت، ولعائلاتها الأَصيلةِ العريقةِ ذُخْراً طيّباً لِغنى تاريخ لبنان.