هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 121
“2025- ثـُـقـُوبُ الغربال”- محمد المشنوق
الأَحـــد 16 حزيران 2013

حين يتولّى الكتابةَ في الإِعلام من عمِلَ فيه وعايَنَ وعانى، يأْتي بحثُه فيه ثمارَ تجربةٍ وحصادَ درسٍ وأَغمارَ جنى، ما لا يتوفَّر في أَكاديميّ يبحث في الإِعلام تنظيراً وآراءً واستشهاداتٍ بمن سبَق.
محمد المشنوق، الآتي من “مساء بيروت” عبدالله المشنوق وإِرثه الكبير، عايَنَ وعانى، وأَسَّس وزاول، ومارسَ المهنة فكراً وعملاً، وتالياً يجيءُ كلامُه في الإِعلام موَثَّقاً رصيناً بالخبرة مدعوماً بالتجربة وخلاصة القراءات.
في كتابه “2025- ثقوب الغربال” الصادر سنة 1997 في 560 صفحة قطْعاً وسَطاً عن منشورات “ماسترز للنشر والاتصال” جهدٌ مهنيٌّ لمقاربة الإِعلام حاضراً واستشرافِه مستقبلاً مع ما يحْمله كلّ فجر جديد من اكتشاف جديد وابتكار جديد وتحوُّل جديد في تقْنيات الصحافة والإِعلام.
لذا سطَّر لعنوان كتابه عنواناً ثانوياً: “أَيُّ عالَـم؟ أَيُّ إِنسان؟ أَيُّ عرب؟ أَيُّ لبنان؟ وسْط العولمة وتأْثيراتها الثقافية والإِعلامية”. ويوضح رؤْيته منذ مطلع الكتاب: “العالَـمُ واحدٌ في العولمة لكنه ليس واحداً في الموجات المتلاحقة. والإِنسانُ واحدٌ في العولمة يقفز فوق الدول والقوميات والهويات والمعتقدات لكنه ليس واحداً في واقعِ ما يعيشه من ضغوط على إِنسانيته ذاتها”.
من هنا يميّز المشنوق بين العولمة العامة والخصوصية الذاتية، جوهرَ خلاصٍ من الوقوع في ضَياع الهوية عند الغرق في العولمة.
في ستة فصول واضحةِ التفصيل يصوغ محمد المشنوق مفاصل كتابه من “زيارة أُولى للمستقبل” (الفصل الأَوّل) راسماً حدود العولمة بين واقعها والمرتجى وبين الحلم وحتمية التغيير، مستشهداً بقول جبران إِنّ “الفقير والغني، كما العظيم والصغير، يتساويان في الحلم والتخيل”، ومن هنا نقْضُ المؤلف نظريةَ فوكوياما بـ”نهاية التاريخ”، إِلى الفصل الثاني يعالج فيه “الثقافة والإِعلام بين الاستكانة والذُّعْر والقيَم المنهارة” في تحليل منطقيّ عبر اثنتي عشرة محطة، إِلى الفصل الثالث يطرح فيه مقولة الـ”أَعْلَمة” ويشرحها في منطق التكنولوجيا الإِعلامية التي تغزو اليوم الفضاء السيبرنيتيّ، وهو ما أَضاءَ عليه جليّاً في الفصل الرابع عن “الهوية العربية ولبنان الفضائي” مثْبتاً أَنّ اللغة العربية ليست عائقاً بل وازعٌ رئيسٌ في الحفاظ على حماية الثقافة والهوية والأَصالة. وفي تشبيهٍ لافتٍ طريفٍ يسرد المشنوق الفصل الخامس عن “آدم العربي وحواء اللبنانية والتفاحة الإِعلامية” فيعالج صورةَ المرأَة العربية في الإِعلام العربي وضرورةَ إِنقاذها من صورة نمطية قد تتأَطَّر فيها المرأَة بسبب سوء استخدام هذه الصورة عفواً أَو عمداً وفق ما يدّعي الإعلاميُّ انتهاجَه الحداثةَ أَو المحافظة. وهنا يركِّز المؤَلف على إِعلام التلـﭭـزيون في لبنان بمختلف محطاته التي غزَت الفضاء الإِعلامي وكانت ذاتَ تأْثير جلي في كلّ العالم العربي.
ويختم المؤلّف كتابه في الفصل السادس مستشرفاً “زيارة إِلى المستقبل سنة 2025” متسائلاً عن الجدل بين إِنسان الأَزمة وإِنسان المستقبل في ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاكتشافات، مشدِّداً على أَنّ عالَـمَ المستقبل يفترض الانفتاح الكامل على كلّ تطوُّر يتجاوز حتى الأَحلام المستقبلية، مقارناً في هذا السياق بين التطوُّر الإِعلامي عام 2025 والتطوُّر الطبي عامئذٍ، بكل ما في الاكتشافات العلمية من تقدُّم على كلّ صعيد وفي كلّ حقل.
بعضُ قيمة هذا الكتاب “2025- ثقوبُ الغربال” أَنه صدر عام 1997 أَي قبل ستة عشر عاماً واستشرف ما يحصل اليوم. فلا غرابة – وبين اليوم وعام 2025 اثنا عشر عاماً – أَن يحصلَ عامئذٍ ما ورَدَ في هذا الكتاب عند صدوره، لأَنه، كما قلتُ في بداية حديثي، حين يتولّى الكتابة في الإِعلام من عمِل فيه وعايَنَ وعاين، يأْتي بحثُه فيه ثمارَ تجربةٍ وحَصادَ درسٍ وأَغمارَ جنى، ويمكنه تالياً أَن يستشِفَّ من ضباب اليوم ملامحَ انقشاعةِ المستقبل.