هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1102: دلالةُ انْفتاح

الحلقة 1102: دلالةُ انْــفــتــاح
الأَربعاء 5 حزيران 2013

في أَول زيارةٍ لي إِلى واشنطن سنة 1984، ولدى وُصولي إِلى المبنى 1600 في جادة ﭘـنسيلـﭭـانيا، لاحظتُ حشوداً مصطفَّةً على الرصيف. سأَلتُ عنها مُرافقي فقال إِنها جموع مواطنين ينتظرون للدخول إِلى زيارة البيت الأَبيض (المفتوحة أُبوابهُ صباحاً بين السابعة والنصف والحادية عشرة يومياً من الثلثاء إِلى السبت). ورأَيتُ المشهد ذاته أَمام المبنى 55 عند جادة فوبور سانت أُونوريه من الدائرة الثامنة في ﭘـاريس: مواطنون ينتظرون للدُّخول إِلى زيارة قصر الإيليزيه المفتوح للمواطنين في ساعات محددة.
وكنتُ أَتمنى دائماً أَن تكون هذه الظاهرة عندنا في لبنان، حتى أَعلن عنها القصر الجمهوري قبل أَسابيع، وبدأَت الزيارات إلى رحاب القصر (بدءاً من هذا الشهر صباح أَول سبت من كُلّ شهر).
لهذه الظاهرة أَهميةٌ ورمزيّة:
الأَهميةُ ليست أَن يتعرَّف المواطنون إِلى دوائر القصر ومكاتبه بل أَن يتقرَّبوا من مركز القرار فلا يبقى في بالهم صورةً على شاشة التلـﭭـزيون بعيدةً عنهم كأَنها في بلد آخر، وأَن يقتربوا من جَــوّ رئيس البلاد فلا يبقى في بالهم صورةً ضمن برواز معلّقةً في دائرة حكومية.
أَمّا الرمزية فأَن يُقْدمَ رئيس لبنان على فتْح أَبواب القصر الجمهوري دلالةَ انفتاحِ الرئيس على الشعب ببادرةٍ تصادفُ ظروفاً دقيقةً بين التمديدِ 17 شهراً لمجلس الـ128، وتأْجيلِ انتخابات نيابية هي وكالةٌ من الشعب أَطاحوها ومدّدوا إِقامتهم في ساحة النجمة بدون العودة إِلى الشعب، ووضعٍ أَمنيٍّ مضطربٍ في مناطق من البلاد، ما يعني أَنّ عينَي رئيس لبنان مفتوحتان على الشعب يزور القصر الرئاسي ومفتوحتان على الشعب في بيوته ومنازله. الهمُّ واحد والمسؤُولية واحدة: الحفاظ بِحَزمٍ على الدستور الطالع من القصر للحفاظ على الشعب الطالع من بيوته إِلى مستقبل أَبنائه.
وفيما المواطنون من كُلّ لبنان يتابعون شرح الأَدلاء السياحيين عن القصر تنفتح لهم أَبوابه، يفتَحُ سيّد القصر أَبوابه أَيضاً للسياسيين من كلّ لبنان بدون تمييزٍ بين انتماءِ هذا وانتماءِ ذاك، يُصغي إِليهم بقلبٍ مفتوح ٍوعقلٍ متّسعٍ ونوايا بيضاءَ للعمل معهم على قيادة لبنان إِلى أَمان اليوم وأَمن الغد وأَمانة المستقبل، واعياً أَنّ الرئيس لا يَنهض وحده بالبلاد إِن لم تتكاتفْ معه نوايا المخْلصين من السياسيين يُـمْسكون بِيَد الرئيس في اتجاهٍ واحدٍ ومرمىً واحدٍ وهدفٍ واحدٍ يُحدِّدُه الدُّستور ويحترمُه الجميع ويعملون له مع الرئيس المؤتـَمَن على الدستور: لا تفرُّدَ في رأْيٍ ولا عنادَ في موقفٍ ولا عرقلةَ في مسارٍ، فالقصر الجمهوريُّ عند كُلّ زيارةٍ من سياسيٍّ يدخل بابَه المفتوح، يكون مُنفَتَحاً جديداً لِـحَلٍّ آتٍ غيرِ فئويّ وغيرِ كيديّ وغيرِ شخصيّ وغيرِ شخصانـيّ وغيرِ إِحاديّ، بل مفتوحٌ كقلب الرئيس على حُلولٍ يُفيدُ منها كُلُّ الوطن وكُلُّ مواطنٍ قبل أَن يُفيدَ منها قائدٌ في الوطن أَو زعيمٌ في مَـجموعةِ مواطنين.
القصرُ المفتوحةُ أَبوابه لـجميع المواطنين وجميع السياسيين، مَرجعٌ أَوَّلُ للحلول يَـقصدُه الشعب فَيَرَى ويَـقصدُه السياسيُّ فَـيُرِي، وللقصدَين معاً، شعباً وسياسيين، يفتحُ الرئيسُ قلبَه وعقلَه ونواياه للعملِ يداً بيدٍ، وكتِفاً إِلى كتِف، ونيّةً إِلى نيّة. فلا رئيسَ يَنجحُ متفرِّداً في رأْيٍ أَو حَلّ، ولا سياسيّ يَنجَح متفرِداً في رأْيٍ أَو حَلّ. وكما الرئيسُ الناجحُ يقودُ بلاده إِلى النجاح بِـمُؤازرة سياسيين مُـخْلصين، كذا السياسيُّون الناجحون يَنجحون بنجاح رئيس البلاد لأَن في سقوطِه سقوطَهم جميعاً وفي مؤَازرته نجاحَهم جميعاً.
وعندها لا تعود حاجةٌ إِلى تَمديد ولاية ساحة النجمة أَشهُراً مطّاطةً بل يُصبح مَـــدُّ الرأْي السديدِ تقصيراً لأَشهرٍ يكون قِـصَـرُها أَنْـفَعَ للبلاد من تَـمْديدٍ مَشُوبٍ بِـجميع الـمَخاطر الـمُحدَّدة في نِـهاية الـمُدَّة الـمُمدَّدة.