هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1101: هذا اللون

إذاعة “صوت لبنان” – برنامج “نقطة على الحرف”

الحلقة 1101: هــذا الـلّـون
الأَربعاء 29 أَيَّــار 2013

في اللغةِ أَنّ Réflexe ترجمتُها المبسَّطة: “رَدّة الفعل”.
وفي اللغة أَنّRéflexe Conditionnel ترجمتُها المبسَّطة: “رَدّة الفعل الشرطيّة”.
وفي العِلْم أَنّ عالِـم البيولوجيا الروسي إِيـﭭـان ﭘـتروﭬـيتش باﭬـلوڤ اكتشفَ سنة 1889 ردّةَ فعلٍ شرطيةً باختباره كلْباً كان يُقدِّم له الطعام مترافقاً مع صوت ضرباتٍ معدنية فيَسيلُ لعابُه، حتى بات لُعابُ الكلْب يَسيل لسَماع صوت الضربات المعدنية بدون أَن يكونَ أَتى له بالطعام، فاستنتج أَنّ اللُعاب أَصبح مشْروطاً بسَماع الصوت لا بِرُؤْية الطعام.
وفي العِلْم (انتقالاً من الصّوت إِلى اللون): نشَر عالِـم البصريات الأَميركي ستِفِن ﭘـالْمِر (من جامعة بُركلي كاليفورنيا) دراسةً علميةً مَطلعَ الأُسبوع الماضي أَثبتَ فيها أَنّ دماغ الإِنسان يَربُط الموسيقى بالأَلوان وفْقَ عواطفَ معيَّنةٍ يُثيرها لحنٌ معيَّنٌ كلَّما سمعَهُ الإِنسان يأْخُذُه دماغُه إلى لونٍ يَربطه بهذا اللحن، ما يعني أَنّ الناس يتَشاركُون بَصَرياً بِلَوحةٍ عاطفيةٍ واحدةٍ تتعلّق بالموسيقى واللون.
من هاتَين النظريَّتين العِلْميّتَين: أُولى للسَّمَع والأُخرى للبَصَر، أَصِل إِلى رَدّة فعلٍ غريزية شرطية تتحرَّك بِصَوتٍ، بِلَونٍ، برمزٍ، فيكون الرمزُ أَو اللونُ أَو الصوتُ مُـحرِّكاً ردّةَ فعلٍ تلقائيَّةً غَريزيّة.
من هناك، من العِلْم في روسيا وأَميركا، أَصِل إِلى لبنان بالعِلْم الذي يُرينا كم انّ الغرّائز عندَنا تَتَحرَّكُ ببّغاوياً للاتّباع والالتحاق والاستسلام والاستزلام، وأَكتفي هنا بِرَدّة الفعل ذات العلاقة باللون، لأَنّ الأَلوانَ عندنا لم تَعُد تُؤْخَذُ بِـجمالها ورمزها الطبيعي الأَصليّ بل باتت في عقل فئاتٍ لبنانيةٍ مرتبطةً غرائزياً لا بتُحفةٍ فنيةٍ بل بــ”تُـحفةٍ بشرية” حيَّةٍ هي صورةُ صاحبِ اللون، وهو عندَنا ليس مُـختَرِعاً ولا عالِماً ولا خبيراً مُبدعاً بل زعيمُ تيارٍ سياسيٍّ اعتمَدَ هذا اللون أَو ذاك رمزاً لتيّاره السياسيّ فانتمى إِليه مُـحازبوه وأَزلامُه ومَـحاسيبُه. يعني أَنّ اللون لم يَعُد مستقِلاًّ في ذاته بل باتَ عنواناً لفريقٍ سياسيٍّ، وانتصاراً ببَّغاوياً لزعيم هذا الفريق.
هكذا أَصبح عندَنا معنى الأَصفر والبرتقالـيّ والأَخضر والأَزرق والأَحمر والأَسود وما إِليها، ويا ضياعَ ما كان عليه اللونُ من رمز السلام والحُب والغيرة والقهر والعشْق والتعلُّق، إِلى سائر عواطف إِنسانية سامية نقيّة بإيجابيَّتها وسلبيَّتها.
وهكذا: لو عاد العالِـم الروسي باﭬـلوڤ لكان وجَدَ في بعض الشعب اللبناني أَفضلَ حقْلِ اختبارٍ لتجاربه البيولوجية، ولَـمَا كان احتاجَ إِلى كائنٍ آخرَ لإِجراء تجربته على رَدّة الفعل الشّرطية بل لَـكَفَاهُ أَن يضعَ أَمام فئةٍ من شعبنا لوناً معيناً لينجحَ اختبارُه بإِثارة غريزة هذا الفريق أَو ذاك أَمام هذا اللون أَو ذاك، تماماً كما يَعمَدُ الماتادور أَو التُّوريرو الإِسـﭙـاني إِلى إِثارة الثَّور حتى قَـتْلِه على الـحَلَبَة.
فهل الـمُخَطِّطون الـجَهنَّميُّون النَّيرونيُّون يُـخطِّطون لِـجَعْل اللبنانيين ثيراناً يُثيرُهم لونٌ كي يَنفعلوا بغرائزهم فيموتوا، أَو فئرانَ مُـختَبَراتٍ يُثيرهم صوتُ زعيمٍ يَـخطُب كي يهتاجُوا ويندفعوا إِلى الـمَسْلَخ فَيُذْبَـحوا؟
إِنّ شعباً لا يَزال يَنساقُ وراءَ صوت زعيمه أَو لونِ قائده، لا يزال بَعيداً عن أَن يستاهلَ الحريةَ التي تُسْقِطُ زعيماً أَو تُطيحُ قائداً يَهبِطُ إِلى عتمة النسيان ويبقى الشعبُ حُراً في ساحات لبنان.