هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1090: ازدواجيّة خطابٍ أم إحاديّة قرار؟

الحلقة 1090: ازدواجيَّةُ خطابٍ أَم إِحاديَّةُ قرار؟
الأَربعاء 12 آذار 2013

لم نعُد نَفهم. لم يعُد المواطن يَفهم. لم يعد أَحدٌ يَفهم. هذه المربّعات الحكومية الشطرنجية باتت مستعصية على كلّ فَهْم.
حكومةٌ تَعِدُ بتأمين سلسلة الرتب والرواتب ثم تلوذ بالفرار من تعهُّدها وتغرز رأْسها في رمال “دراسة الموارد”.
حكومةٌ تنادي بـمَبدإِ “النأْي بالنفس” ثم يخرج وزيرٌ من هنا، ووزيرٌ من هناك، فيُعلنُ إِحادياً موقفاً معاكساً رأْيَ الحكومة ويبرِّر التدخُّل في شؤون الغير بأَسبابٍ يُعَلِّلُها مَن يُـمْلونها.
حكومةٌ تواجهها ضغوطُ الـمُطالبين والـمُهدِّدين باعتصامٍ أَو إِضرابٍ أَو إِجراءٍ أَو تصعيد، فتَعِدُ بتلبية الـمَطالب ثم عند ساعة الصِفْر تأْتي صِفْر اليدَين إلى ساحة التنفيذ.
لم نعُد نَفهم. لم يعُد أَحدٌ يَفهم: أهي ازدواجيةٌ في الخطاب؟ أَم هو انفصامٌ في الشخصية؟
هل الحكومة مصابةٌ بفصامٍ غيرِ متوقَّع؟ أَم هي سْتراتيجيا موقَّعة عند إِيقاع التوقيع على أَمرٍ والتصرُّف بعكسه؟
هل هي دُرْجَةٌ أَن تُعلِن الحكومة موقفاً من الـمَطالب الواقعة بينما واقعُ تصرُّفها مغايرٌ كلياً؟
هل “النأْيُ بالنفس” نأْيٌ عن الصدق في تنفيذ الوعود وفي تغيير المواقف والآراء بين ليلة وضحاها؟
هل هذه الحكومةُ واعيةٌ ازدواجيةَ خطابها؟ أَو مدركةٌ تناقضَ تصرفاتها؟ أَم انها راميةٌ فعلاً إلى تَسذيج الناس فيما يتَّضحُ أَنها هي الساذجة باستغباء الآخرين؟
هل هي حكومةٌ بثلاثينَ رأْساً، وكلُّ رأْس يتصرف إِحادياً على هواه، ويصرّح على هواه، ويقرِّر على هواه، ويُلزم الدولة على هواه، دون الرجوع إلى الرأْس أَو الـمَجموعة الحكومية مُـجتمعةً، فيناقضُ موقف الحكم، وليس من يَسأَل، وليس من يُـحاسب، بل يَـجد مَن يدعم هفوتَه وغلطتَه وتوريطَه الدولة بِـمواقفَ ليست أَصلاً في ستراتيجياها؟
هل هذه الحكومةُ مقبلةٌ على إِجراء الانتخابات وليس للانتخابات سكَّةُ آليةٍ واضحةٌ أَمام المرشَّحين والناخبين؟
هل هذه الحكومةُ متَّفِقةٌ مُـجْمعة على موضوع الأُجور والرتَب والرواتب، وكلُّ وزيرٍ يصرِّح على هواه، ويطالب على هواه، ويناصر أَو يناقض على هواه: وزيرٌ يقِف مع المعتصمين، ووزيرٌ ينتقد موقف الحكومة المقصّرة مع المعتصمين، ووزيرٌ يشدِّد بأَن تلبّي الحكومة مطالب المعتصمين، وجميعُهم أَعضاءُ في هذه الحكومة التي يهاجمونها… فمن إذاً هم يهاجمون؟
هذه الحكومةُ التي أَعلنت مواقفها في السياسية الخارجية، هل تَتَجَرَّأُ على توجيه اللوم (فقط: اللوم لا العزل ولا الإقالة) لوزيرٍ كاد يورِّط الدولة بِـموقف على شفير انزلاقِ الحالة إلى وضع كارثيّ؟
هل هذه الحكومةُ واعيةٌ أَنّ الـمُخالفة الدستورية أَخطرُ ما تقعُ فيه حكومةٌ أَقربُ علاجٍ لِـمُخالفتها أَن تذهب إلى البيت؟
لغْطٌ سورّيالـيٌّ غريبٌ لا لغةَ له ولا قاموس، أَن يُبادر وزيرٌ إِلى إِحادية قرارٍ يتَّخذه فيجعل خطابَ الحكومة في ازدواج.
لم نعُد نَفهم. لم يعُد المواطن يَفهم. لم يعد أَحدٌ يَفهم.
وأَسوأُ الأَسوإِ أَنّ حكومةً هذه حالُها، عاجزةٌ عن أَن تُقيمَ ومَـمنوعٌ عليها أَن ترحل، وبين الإِقامة والرحيل: وَطَنٌ ينزفُ أَبناؤُهُ، وليس أَمامهم مَن يُرشِدهم إلى ضَماد.