هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 105
“النبطية… ذاكرةُ المكان والعمران”- علي حسين مزرعاني
الأَحـد 24 شباط 2013

كلما أَضأْنا في هذا البرنامج على واحةٍ من لبنان، كأَننا أَضأْءنا على كلّ لبنان لكلّ لبنان من أَجل كلّ لبنان.
في هذا السياق نطلّ اليوم على النبطيّة في كتاب ابنها علي حسين مزرعاني الذي سبق أَن رَفَدَها بكتابَين: “النبطية في الذاكرة”، و”قضاء النبطية في القرن العشرين”، حرصاً منه على إِبقاء مدينته في البال من أَجيال الأَمس إلى أَجيال اليوم وكلّ يوم، وهو عمل لو زاوله كلُّ مؤَرّخ أَو حافظُ تراثٍ لـمدينته أَو بلدته أَو ضيعته، لَأَزهر لبنان مُشعّاً متوهِّجاً دوماً في ذاكرة المستقبل.
الكتاب الجديد للمؤهل أَول علي حسين مزرعاني “النبطية: ذاكرة المكان والعمران” صدَر في192 صفحةً حجماً موسوعياً كبيراً غنياً بالصوَر والنصوص، بإِهداءٍ إلى فؤاد دباس، حافظ ذاكرة لبنان بكاميراه التي استعار منها المؤلف لكتابه مجموعةً نوستالجية من صُوَر الماضي، ثم بمقدمة من رهيف فياض الذي سرد في مطلع الكتاب بيوغرافيا عامةً للنبطية أَعلاماً ومعالم.
بعد مدخلٍ من المؤلّف ينفتح الكتاب على نبضٍ فوتوغرافي من ستة فُصولٍ، يستهلُّها الأَوّل “ذاكرة المكان” بـِــﭙَـانوراما واسعة للنبطية بدءاً من 1890، بيوتاً وأَحياءً ومناسباتٍ ومآتِـمَ واحتفالات وعاشُوراء وسوق الاثنين وساحةً عامة وشارعاً رئيساً وأَول سيارة فيها سنة 1948 وفنادقَ وتفاصيلَ بيوتٍ وقناطرَ وشبابيكَ وُصولاً إلى النبطية اليوم ملونة العمران والديموغرافيا.
في الفصول التالية ملامح من الأَحياء: بدءاً من “حي السراي” ومنازله وقناطره ومدارسه وجوامعه وأَعلامه أَدباءَ ولغويين، وأَدراجاً وزواريبَ وعِلّيّاتٍ وقرميدَ بيوتٍ مهجورة، مروراً بــ”حيّ الميدان” وَدُوره وقُصُوره ومندلوناته وصُوَر أَعلامه وعائلاتهم، وصولاً إلى “حيّ البيّاض” وصُوَرٍ عن معالمه العتيقة المهجورة وجامعه الجديد وطريقه قديماً وحديثاً، وناديه الحسينيّ وصُوَرٍ خاصة عن ابن هذا الحي المخترع حسن كامل الصباح بمدخل بيته وبقاياه بعد هدمه، وجثمانه لدى وصوله من الولايات المتحدة سنة 1935 وضريحه وتمثاله ووثيقةٍ باسمه هي بطاقتُه كطالب طيار سنة 1934.
وبعد صُوَر جوية لـمدينة النبطية بين 1956 و1974 و2005 تُظهر تطَوُّرَ المدينة ونـُمُوَّها الجغرافي، ختامُ الأَحياء مع “حارة المسيحيين” بكنائسها وبيوتها وقناطرها وصوَرٍ من سكان الحي الذي شهد نزوح عائلات مسيحية إليه إِثْر حوادث 1860.
وتكُون للمؤلف جولةٌ بالكاميرا على بلداتٍ من قضاء النبطية في الكفور وكفررمان وقلعة الشقيف والنبطية الفوقا وحاروف وزفتا وزبدين وأَنصار وجبشيت والدوير وجباع والقصيبة وسواها.
هي جولةٌ للعين صُوَراً وللذاكرة نُصُوصاً، أَوجزها المؤلف بأنّ كتابه لـثلاث محاولات: “محاولةٌ بالصورة للحفاظ على بقايا تراثٍ معماريٍّ زال أَو هو على طريق الزوال، ومحاولةٌ لترميم منازلَ على طريق الاندثار بإِعادة تثبيت صُوَرها وإِعادة التذكير بغائبين عن طريق نشْر صورهم، ومحاولةٌ ثالثة لحفظ الهوية كي نشاهد أَين كنا وكيف كانت منازلُنا عامرةً بالإِلفة عابقةً بالياسمين مزدانةً بصور الجمال، قبل أَن تجرفنا مدنيّة العصر فتُزيلَ تراثنا وذاكرتنا معها”.
كتاب “النبطية: ذاكرة المكان والعمران” مرآةٌ لوفاءِ أَبناء البلدة في اذّكار ماضي بلدتهم وحفْر ذِكْرها في الآتي من الأَيام.
مرآةٌ حَبَّذا لو تَتَعَمَّمُ مرايا في كلّ لبنان، قرىً ودساكرَ وبلداتٍ ومُدناً بوهج أَعلامها وأَعمالها ومعالـمِها، حتى يبقى لبنان ذخراً لأَبنائه غداً يعودون إليه عند جُوعهم إلى الجذور، كما يعودُ الجائع إلى مِعْجَن الخبز، كلّما جاع إلى رغيفٍ يتناولُه فيُمسك به بَرَكَةَ الأَيدي التي هلّت العجين، والأَيدي التي زرعَت القمح، والأَيدي التي حصَدَت في موسم الجنى، حتى تظلَّ مواسم الخير في لبنانَ عامرةً بالحَصاد، فلا يكون جوعٌ إلى الإِرث، ولا عطَش إلى تراث الينابيع.