هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

778: لـِــمــَــن يكتب الأديب؟

لـمَن يكتب الأَديب؟
السبت 26 كانون الثاني 2013
-778-

عن الشاعر ألْفْرِد دو ﭬـينيي أَنّ “أَجمل مُلهِمَةٍ في العالم لا يمكنُها أَن تَكفي لإِعالة شاعرِها” (بلسان بطل مسرحيّته “شاتِرْتُون” الذي انتحَرَ لأَنه لم يستطع العيش من شغَفه الأَكبر: الشِعر).
وفي سياقٍ مماثل كتب الروائي البريطاني سومورست موم: “المال حاسةٌ سادسةٌ نستخدم بها الخمسَ الأُخرى. فلا أَدب لولا المال”.
هذه المقولة الجدلية حول العلاقة بين الكاتب والمال سحيقةُ النشوب بين جَيب الكاتب وقلَمه.
جَدَلياً: لِـمن يكتب الأَديب؟
وبعيداً عن التنظير المجاني بأَنه “يَكتُب له أَوّلاً ثم للقارئ”: هل يمكن الأَديب أَن يعتاش من أَدبه؟
في تاريخ الأَدب أُدباء لَمعوا في عصرهم لكنهم قضَوا فقراً وعوَزاً ولم يكن لمؤلفاتهم مردودٌ لافتٌ إلاّ بعد غيابهم.
ولم يعرف التاريخ إلاّ قلّة أُدباء عاشوا في بحبوحة لأَنهم كانوا من محظيّي الحاكم، أَو لأَنّ لهم مداخيل أُخرى من غير كُتُبهم.
وثمة أُدباء يفرضون بدَلاً على محاضراتهم ومشاركاتهم في مؤتمرات وندوات، في بلدانهم أَو خارجها، فيكون البدَل مبدأً أَوّل لاحترام الأدب، ثم مورداً رديفاً يبقى من ضمن عالم الأديب.
وغالباً ما يؤَمِّنُ الأُدباء مداخيلهم من مصدر آخر غير الكتابة (التدريس، الصحافة، الوظيفة، مهنة حرة، …) كي يستطيعوا العيش أَولاً، ويَضمنوا مردوداً ثابتاً دورياً فيواصلوا كتابتهم من دون التعويلِ عليها مصدَرَ دَخْل كافياً.
ومع تطوُّر العصر وانتقال الكتاب إلى صناعة، تطوّرت مفاهيم الصلة بين الأَديب وناشره، خصوصاً حين لـهذا الأَخير شبَكة توزيع وتسويق إذا موضوعُ الكتاب قابِلُ التسويق الموسّع، أَو صاحبُه ذو شهرة ذائعة.
ولكن… حتى في هذه الحال، هل يُخاطر الأَديبُ ويركن إِلى مردود مؤَلّفاته من الناشر كي يستقيلَ من أَيِّ وظيفةٍ أَو مصدرِ دَخْلٍ آخر؟ وهل يَجرؤُ الأَديب على “الاحتراف” بالتخلّي عن كلّ ما عدا الكتابة فالنشر كي يكون أَديباً “محترفاً”؟
لِـمن يَكتُب الأَديب؟
إِنها جدليّة العلاقة بين الأَدَب ومردوده، وجوهرُها مصدرُ الكتابة.
إِن لم يكن جوهرُها المال فحتماً وراءَها شغَف.
من أَين هذا الشغَف؟ الهواية؟ الشُّهرة؟ مساحة المعجبين؟
قد تكونُ هذه جميعَها، وإنما – كي أَعودَ إلى ﭬـينيي – لا واحدة منها ولا من سواها تُكَوِّن “مُلْهِمَةً” إِن لم تكن الـمُلْهِمَةُ خارجَها جميعاً.
لا شِعرَ حقيقياً من دون مُلْهِمَة “حقيقيَّة” ليس يَخترعُها الشاعر “ﭘـيغماليونيّاً” كي يَدَّعي الكتابة لها ومنها وفيها.
ومتى أَشرقَت “الـمُلْهِمَة الحقيقية” يَطْلَع فجرُ الشِعر، ومنه يكونُ مَوردٌ قد ينبسطُ تدريجاً على كُلّ مَورد.