هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1084: سياسة تعميم الحرمان

الحلقة 1084: سياسةُ تعميم الحرمان
الأربعاء 30 كانون الثاني 2013

في حَيٍّ سكنيٍّ صغيرٍ من ضاحية ﭘـاريسية، خارج ضغْطِ العاصمة وحَرَمِها، انقطعَت الكهرباء ستَّ ساعات للمرة الأُولى منذ أَربعين سنة. وكان ذلك بسبب حريقٍ في محطةِ توزيعٍ تُغَذّي ذاك الحي الذي من ثلاثمئة أَلف نسمة.
ما الذي حصَل؟ لم ينتصف الليل حتى عادت الكهرباء إلى كلّ الحي. والأَهم: صباحَ اليوم التالي تلقّى كلُّ بيت في ذاك الحي (أُكرِّر: كلُّ بيت) رسالةَ اعتذارٍ من البلدية عن أَيِّ ضررٍ سبَّبَهُ انقطاعُ التيار الكهربائي، ومع الرسالة استمارةٌ خاصةٌ يملأُها السُّكان بتعداد الأَضرار التي سبّبها الانقطاع، مع التعَهُّدِ أَنّ الدولة ستدفع لكلِّ بيتٍ تعويضاً مالياً يوازي كاملَ قيمة أَضراره، لوعيِها أنَّ الحفاظ على هيبتها مَطلعُهُ احترامُ الدولة حقوقَ المواطن تَوازياً مع واجباته تجاه الدولة.
قلتُ إنّ هذا حصَل في ضاحية صغيرة من ﭘـاريس لا في العاصمة كلِّها، لأُعَرِّج على ما كاد يحصل عندنا في العاصمة كلِّها: فرضُ عُقوبةٍ عليها في تقليل ساعات تغذيتها بالكهرباء، وإلاّ.
ما هي هذه الـ “وَإِلاّ”؟؟؟ إنها زيادةُ التعرفة على بيروت أَهلاً وسكّاناً، كأَنما لا يكفي ما أَورثَت “السِّتّ أُولغا” من انقطاع الكهرباء أَياماً كثيرة عن أَحياء كثيرة ومدن كثيرة بما فيها العاصمة، ولم تتحرَّك الدولة ولم تعتذِر ولم تبادر إِلاّ إلى معاقبة بيروت على مَدِّها بالكهرباء بضعَ ساعاتٍ أَكثر من سواها.
هكذا إذاً منطق الدولة عندنا: معاقبةُ بيروت لأَن الدولة هذه الأَيام منهمكةٌ عن الكهرباء بما هو أَهَم: مشغولةٌ بأَن “تَبِيْضَ” قانوناً للانتخابات يَتَنَاتَشُهُ المعنيُّون في هذه الدولة “الدَّوْلاء”، وكلُّ فريق يريد تفصيل القانون على قياسه طُولاً وعرضاً وﭘـوانتاجات حسابية ونتائجَ تُوصِلُ من ساحة النجمة إلى قصر بعبدا.
نعم، هذا هو المنطقُ الجديد في هذا العصر الجديد: بينما ينتظر المواطنون مشروع إِنقاصِ ساعات التقنين في لبنان، فوجئوا بمشروع زيادتها في العاصمة كما انتقاماً منها كي تَتَساوى بسائر لبنان، هي التي نهاراً تستقبل في قلبها نصفَ سُكَّان لبنان إلى وزاراتها وإِداراتها ومكاتبها ومصارفها ومصانعها ومعاملها ومدارسها وجامعاتها ومصالحها جميعها.
فهل هكذا دولتُنا “الدَّوْلاءُ” تكافئُ عاصمتَها بكراهية الانتقام والحقد عليها لأَنها تستقبل يومياً نصف لبنان؟
وهل الـﭙـوانتاجات الانتخابية تصل إلى هذا النوع من سلوكٍ يُــؤَلِّب الناس على عاصمتهم وأَهل عاصمتهم؟
هل تعميمُ الحرمان من التغذية بالتيار يوصل إلى تعميم الحقوق بين المواطنين؟
وهل بيروت تتنعَّم بساعات التغذية الكهربائية على حساب سائر المناطق؟
وهل الحقُّ على بيروت إِنْ كانت سائرُ المناطق محرومةً من ساعات تغذية أَكثر من بيروت؟
وهل عدالةُ الدولة أَن تضع الجميعَ تحت سقفٍ واحد من الإهمال كي يتساوى الحرمان بين جميع المواطنين؟
بلى: تعمّدتُ التشديد في بداية حديثي أَنّ حادثة السِّتّ ساعات في فرنسا حصلَت في حَيٍّ صغيرٍ من ضاحية صغيرة لـﭙـاريس، لا في العاصمة كلِّها فكان ما كان من الدولة واعتذارِها وتعهُّدِها التعويضَ على سكان ذاك الحي لأنّ واجبَ الدولة مساواةُ المواطنين في حَيٍّ صغيرٍ كما في العاصمة الكبرى. بينما عندنا تُعاقبُ الدولةُ العاصمةَ الكبرى فَتُساويها بأَيِّ حَيٍّ صغيرٍ يَدرُس فيه الأَولادُ على نورِ شمعةٍ أَو نورِ مولِّدٍ في الحَيّ يَدفَع له المواطنون فاتورةً شهريةً تفُوق كثيراً فاتورةَ الدولة التي تعجَزُ عن الاعتذار إلى المواطنين فتساويهم بالحِرمان الكهربائيّ بدءاً من معاقَبَة عاصمتهم بيروت.