هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

760: الحرية بين واقعية وافتراضية (2/2)

الحرية بين واقعية وافتراضية (2/2)
السبت 15 أيلول 2012
-760-

الذي ظُهْر أمس الجمعة حَطَّ على أرض لبنان حاملاً رسالةَ مَن قال لتلامذته “سلاماً أَترُكُ لكم، سلامي أُعطيكم” (يوحنا 14/27)، يحمل معه أيضاً قولةً أُخرى لِمن قال لهم: “تعرفون الحقَّ والحقُّ يحرِّرُكُم” (يوحنا 8/32).
ثالوثٌ مضيءٌ على لبنان: السلام، الحقّ، الحرية.
فهل يعرفُهُ لبنان، هذا الثالوث؟ أو بالأحرى: هل يعرف هذا الثالوثَ غيرُ لبنان؟
طويلٌ جداً تاريخُ لبنان في اطِّــلاب الحرية، والنضالِ من أجلها، والاستشهادِ على أرضها.
وإذا مفهومُ الحرية واسعٌ ومختلفٌ بين بلد وآخر وفق ظروفه ومظاهره (تحقيق “لوريان لوجور” في ملحقها الأدبي- تشرين الثاني 2011، نقلَتْه عنها مجلة “كورييه إنترناسيونال” الأُسبوعية الفرنسية) فأبرزُ مفهومٍ للحرية في لبنان أَنها رائدة.
أَحدثُ رياداتِها: بينما شعوبُ دولِ المحيط غارقة في أَنظمةٍ توتاليتاريةٍ قاهرةٍ تتولى الرقابةُ الرسميةُ فيها مثلّث الـ”كافات” الثلاث: كَمّ الأَفواه وكسْرَ الأقلام وكبْتَ الحريات (“أزرار” الأسبوع الماضي) كانت ساحةُ الحرية في بيروت تشهد في آذار 2005 تظاهرةً مليونيةً على اسم لبنان اللبناني غيَّرت في قَدَر لبنان ما لم تستطع تغييرَهُ ضغوطُ الدول الكبرى.
كان ذلك “ربيع بيروت” الذي امتدَّ نسغُه إلى شرايين دول المحيط “ربيعاً عربياً” ما كان صحا لولا “ربيع بيروت”.
وهكذا: فيما كانت دول المحيط تَتُوقُ إلى “حرية افتراضية” كان لبنان يعلِّمُها كيف تكون فيه “حرية واقعية”. وهنا الجريمةُ السياسيةُ الكبرى اليوم بــإرجاع لبنان إلى العيش في “حرية افتراضية” بالدفاع عن أَيِّ نظامٍ ينتفض شعبُه إلى “الحرية الواقعية”.
وإذا دول المحيط ثارت لإسقاط الأنظمة القائمة فيها وبلوغ الديمقراطية الحقيقية حقوقاً شعبية وتداولَ سلطةٍ سياسية، فالثورة في لبنان قامت وتقوم وسوف يبقى نضالُها متوهِّجاً لا من أجل إسقاط النظام فيه بل على العكس: من أجل الحفاظ على النظام القائم بلوغاً إلى إسقاط رموزٍ فيه سياسيةٍ تَشُدُّ به إلى توتاليتاريات وتيوقراطيات واستبداديات يَسقط الشهداء بالآلاف في دول المحيط كي يتخلَّصوا منها، ونجدُ في لبنان مَن يَعمَلُون على إدخالها وقيام نظام حُكْم فيه إحاديّ سُلْطَويّ.
لكنّ لن يكون، لأنّ شهداء لبنان السنوات الأخيرة لم يسقطوا ليكون موتُهم مجانياً بلا ثمن.
والثمن: أن يبقى لبنان مثالاً لدول المحيط فيظلَّ وطن حوارٍ وثقافاتٍ وعائلاتٍ روحيةٍ تَتلاقى واحدةً موحَّدَةً في هَتْفَة الحرية.
وهذه هي الرسالة الجديدة التي جاء يَبْذُرُها قداسة الحبر الأعظم في لبنان بالإرشاد الرسولي إلى كل الشرق، قبل أن يطير غداً مساءً عن أرض لبنان.