هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1075: نتعلّم من شارل العشي

الحلقة 1075: نَــتَـــعَـــلَّــم من شارل العشي
الأربعاء 28 تشرين الثاني 2012

كما طالبٌ حَـيِـيٌّ يقتبل شهادة التخرُّج فيَضُجُّ في صمته فرحٌ جوانـيّ، وقفَ العالِـم العالَـميُّ من لبنان شارل العشي يَقتبِلُ الدكتوراه الفخرية من رئيس الجامعة اللبنانية الأَميركية الدكتور جوزف جبرا ومعه لفيفُ الهيئة الأَكاديمية الجامعية.
وبالـمحافظة إياها على القامة البسيطة مـن كِــبَـر، وَقَفَ إلى المنبر يَشكُرُ الجامعةَ والحضورَ وبينهم عائلتُه وأَبناءُ بلدته البقاعية ريّاق وزملاءُ دراسته في معهد الرسل جونيه. وانصقَلَ صوتُهُ أَكثر وهو يقول بثقةٍ أَنْ بين أَبرز كنوز لبنان: التربية والتعليم، مشيراً باعتزاز إلى أَن لبنان صغيرُ المساحة كياناً لكنه كبيرٌ بـمساحة المتعلّمين، فريدٌ بين دولٍ كثيرةٍ بالفُرَص الـمُتاحة فيه للتعلُّم، ما يُفَسِّر انتشارَ أَعلامٍ لبنانيين في العالم رُوّادٍ في الحقول العلمية والمعرفية الكبرى. لذا دعا الطلاَّب إلى العمل معاً من أَجل رؤْيةٍ لبنانيةٍ مستقبليةٍ أَياً تكُن أُصولهُم الدينية والمذهبية والمناطقية. وبلوغاً إلى النجاح، لفَتَ الطلاّب إلى أَنّ الذي يوصلُهم إلى مراميهم، دافعٌ وحيد هو الشَّغَف، الشَّغَف بما يعملون، الشَّغَف بـما يُضمرون بلوغَه أَياً يكن اختصاصُهم، علمياً أَو فنياً أَو إدارياً، فيُسهمون في تطوير مُـجتمعهم اللبناني.
وهنا شدَّد: “إتبعوا شغفَكم في ما تُحبُّون وتعمَلُون وتَدرسُون وتَنْوُون لغدكم الـمُشرق فيكون مُشرقاً أَكثر. حين تركتُ لبنان لم أَكن مدركاً أَنني سأَبلغ حيث أَنا اليوم. لكنني عمِلتُ بشغَفٍ وجِدٍّ ونشاطٍ متواصل، واحترمتُ رؤسائي وزملائي بلا تفرقةٍ من أَيِّ نوع. تعلَّمتُ منهم وتفاعلتُ معهم. وهكذا أَنتم، أَيها الطلاب، اتبعوا مواهبَكم واصقُلُوها وكونوا حقيقيين وأَحِبُّوا ما تعملون، فتنقضي فيه ساعاتُكم سِراعاً وتكتشفون في كلّ ساعةٍ منها جديداً يُدهشكم ويُبْهِجُكم ويَـجعلُكم فَخورين في غبطة الاكتشاف”.
هذا الكلامُ النبيل، كان يمكن أَن يَصدُر عن أَيِّ أَبٍ أَو مدرِّسٍ أَو مُـحاضِر، فيكون له وقْعُ الوعظ أو الإرشاد أو التنظير. سوى أَنه، طالعاً من عالِـمٍ في حجم شارل العشي، وقيمة شارل العشي، ومكانة شارل العشي الذي يُدير اليوم مُـختبر الدفع النفاث لدى وكالة الفضاء الأَميركية “ناسا”، والذي كان الـمُشرفَ الأَعلى على رحلة المركبة الفضائية “كوريوزيتي” ونزولها على سطح المريخ، يتَّخذ هذا الكلام قامةَ الرجل الاستثنائي الذي، بجُهده الدَّؤُوب وانكبابه على عمله بشغَف العالِـم وعِشق الـمُكتشف وَتَوَلُّه البحَّاثة الطُّلَعَة، بلغَ أَن يكون عالِـمَ فضاءٍ تابَع إنجازَه في رحلة “كوريوزيتي” مليار ونصف مليار نسمة عبر الكرة الأَرضية شاهدوا المركبة تَنْشُبُ 20 أَلف كلم في الساعة، وتعبر 450 مليون كلم، حصيلةَ عشر سنواتٍ من العمل، هو إِنجازٌ تاريخيٌّ لشارل العشي سجلَ اسمَه في ذِكْر الحاضر وذاكرة المستقبل لسكّان كوكب الأرض.
في ختام لقائه الخاصّ طلابَ الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU) سأَلَتْهُ طالبةٌ عن سِرّ تواضُعِهِ الـجَمِّ وبساطَتِهِ اللافتَةِ وِقفَةً ومنبراً وإجاباتٍ، وهو العالِـمُ العالَـميّ الشهير، فجاءَها بَرقاً ساطعاً تبريرُه العفويّ: “أَنا مَدينٌ بذلك لأَصليَ اللبناني الذي أَعتَزُّ به أَمامَ العالَـم”.
وَعَلَت مع التصفيق دُموعُ تأَثُّرٍ لهذا اللبنانيّ الذي فَتَحَ ذراعيه بتَواضُع العُلَماء فَطَوَّقَ هذا الكوكب بشُهرةٍ خالدة.
لكنَّ ما لَـم يَرَهُ ليلتَها جمهورُ تلك القاعة الجامعية، أَنّ على مكتب شارل العشي في وكالة “ناسا” صورةَ أُسرته، وَحَـدَّها تَـماماً عَلَمُ لبنان.