هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1073: “سعادةُ” المواطن بين دخان الأراكيل ومَشاجر السيجار

الحلقة 1073: “سعادةُ” المواطن بين دخان الأَراكيل ومَشاحِر السيجار
الأربعاء 14 تشرين الثاني 2012

الـمَطعمُ مُعْنِقٌ على قمّةِ صخرةٍ شاهقةٍ تعاينُ الـمَدينةَ الجبليّةَ الـمَشغولةَ باحتمائها من زخّات المطر الـمُنهال عليها ظهر السبت الـماضي: طاولاتُه صحراويةٌ إلاَّ أَقلَّها، بين قليلها حيث كنتُ مع شُلّة أَصدقاء.
يدنو منّا صاحبُ الـمطعم. أَسأَلُه عن ضآلة الزبائن، يـُجيبني بدون تأفُّفٍ أَنها نتيجةُ قرار منع التدخين في الـمَطاعم الـمُغْلَقة.
لـم يتأَفَّفْ لأَنه: أَوَّلاً لا يُدخّن، ثانياً صارمٌ في زجْر المدخّنين زبائِنه ولو أَصدقاء، ثالثاً حريصٌ على الالتزام بالقرار.
سوى أَنه، وأَنا أُهَنّئُه على تَشَدُّدِه، باح بالـــ”يا ليت الجميع يلتزمون”.
وشرَحَ: “قريبةٌ منا، في المنطقة حولَنا، مطاعمُ لا تلتزم مطْلقاً. زبائنُها يدخّنون، سجائرَ وأَراكيل، لا صاحبُ المطعم يَـمنعهم ولا هم يَرتدعون، والحجة أَنْ لن يَسمحوا لرادعٍ يَدخل المطعم، وإذا دخل فَلَهُ معالجةٌ مَأْلوفةٌ تُرضيه”.
مُوجعٌ هذا الكلام في تعهير قرار حكوميّ، أَو تشويهِ هيبة الشرطة والدَّرك، أَو تجاوُزِ قرارِ الدولةِ إنقاذَ غيرِ الـمُدخّنين من سُموم الدخان في القاعات الـمُقفَلة. فهل يَـجوزُ أَنّ الـمُلتزمَ بالقرار يدفعُ ضريبةَ التزامِهِ شَرَفاً وانضباطاً ومواطَنةً، فيما جيرانٌ له أَقربون أَو زملاءُ أَبعدون لا يَلتزمُونَ بل يَتحَدَّون من يَـمنعُهم من الالتزام؟
تَـحدّي هيبةِ الدولة ليس مَرجلةً ولا قوَّة، بل فقدانُ حسّ الـمُواطنية. فليس في قُدرة الدولة أَن تضعَ شرطةً سياحيةً أَو ثُلَّةَ دركٍ على باب كلِّ مطعم، إن لـم يرتدع الـمُواطن بأَخلاقه وأَصالته وتَربيته واحترامِهِ ذاتَهُ قبل احترام القانون والآخرين.
للمدخِّنين مداخلُ الـمَطاعم وفُسحاتُها الخارجية، ولَن يُزعجَهم فيها أَحد. فلماذا يُصِرّون على إِزعاج غيرِ الـمُدخّنين بنيكوتين سجائرِهم ودُخان أَراكيلِهم ومشاحِر السيجار؟
ولـماذا يَعترض أَصحابُ المطاعم والـمقاهي على قرارٍ صدَر التنبيهُ عليه قبل سنةٍ كاملةٍ مُفْسِحاً لهم أَن يَتَهَيَّأُوا فيُنشِئُوا في مطاعمِهم فُسحاتٍ جانبيةً خارجيةً للمدخّنين، وعندها: لا الـمُدخِّنونَ يُـحرَمون من متعة التدخين، وهذا حقُّهُم، ولا غيرُ الـمُدخّنين يَبْتَلُون بسرطان الدُّخان يتسلَّلُ إلى صحونِـهم ورئاتِـهم وشَعرهم وثيابِـهِم حتى الداخليّ منها؟
وهل يجوزُ أَنَّ مُطَبِّقَ القانون يُـحرَمُ من زبائنه ويَربَـحُهُم مغتصِبُ القانون؟
هل صار تَـحدّي قانونِ الدولة بطولةً يقطِفُها الـمُخالف، وينال عقابَه خسارةً مَن يَلتزم بالقانون؟
وهل هؤلاءِ الـمُخالفون، أَصحابَ مطاعمَ أَم زبائن، يَـجْرؤُون على تَـحدّي القانون في دُوَلٍ تَـمنعُ التدخين داخلَ الـمَطاعم؟
وهل صارت دولتُنا مَكْسَرَ عصا لأَنّ أَدواتِ الدولة ليسَت كافيةً لفرض القانون، وحضرةَ الـمواطن اللبناني العَنتَر إِحدى هِواياته التَّلَذُّذُ بتَـحدّي الدولة ومُـخالَفَةِ القانون؟
وهل يجوزُ أَن تكونَ في موازييك الدولة اللبنانية مناطقُ مَـحميَّةٌ بزُعماء الزَّواريب وقادة الأَحزاب وسياسيين يُغَطُّون في مناطقهم مغتصِبي القانون، هم المفروض أَنهم حُـماةُ القانون؟
وأَنا خارجٌ من ذاك المطعم الجبليِّ الأَنيق، رَبَّتَ صاحبُه على كتِفي وقال: “سنظلُّ نحتَمي بقانون دولتِنا لأَن المواطَنَةَ فينا وليسَت في القانون. أَنا راضٍ بــمَدخولٍ أَقلّ وضميرٍ مرتاح، فَـراحَةُ الضمير الوطني لا يُوازيها مدخولُ الـمَطاعِمِ كُلُّهُ مُلَوَّثاً باغتصابِ القانون”.