هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1071: دعوا الأطفال يقرأون إليَّ ولا تُهَجِّروهُم

الحلقة 1071: دعوا الأَطفال يَقرأُون إِليَّ ولا تُهَجِّروهُم
الأربعاء 31 تشرين الأول 2012

مساءَ الأَحد الـماضي زُرتُ معرضَ الكتاب الفرنسيّ. وأَتوقَّف لـحظةً هنا لتصويب لفظة “فرنكوفوني” يستخدمُها الجميعُ خطأً للكتاب فيما هي للصّوت. فـ”الفونـيّ” صفةٌ تشير إلى الصوت ولا علاقة لها بالكتاب المطبوع: يقال “فلان فرنكوفونـيّ” لأَنه يَنطُق بالفرنسية صوتاً، ولا يقال “كتاب فرنكوفونـيّ” لأن الكتاب ليس ناطقاً بالصوت، إلاّ حين يكون كتاباً صوتياً – وهذه تكنولوجيا مـحصورةٌ فقط بالكتاب/الأُسطوانة- عندها لا يكون مقْروءاً بل مَسموعاً، إذاً ناطقاً، إذاً تصويتياً، فتصُحُّ فيه عندها صفة “فرنكوفونيّ”.
أُغلق الهلالين لأَعودَ إلى معرض الكتاب الفرنسيّ. كان الـحَشْدُ مفْرحاً مساءَ الأَحد، والأَجنحةُ مغتبطةً بزوّارها، والـمِساحةُ مرتاحةً إلى رُوّاد “البيال” يَتنقّلون، يَتفقّدون، يُقلِّبون صفَحاتٍ، يَشترون كتُباً، يُوقّعون على نسخهم حين مؤلِّفُها هناك، ويُصْغُون إلى نقاشٍ أَو ندوةٍ في باحة عامة لا يجوز أَن تكون مفتوحة هكذا على الضَّجيج والـمرور حولَها، ما يُفسد تركيزَ الـمُحاضر والمستمِع معاً.
من كلِّ ما شاهدتُ في جولتي على الـمعرض، وهو غنيّ، أَتوقَّف هنا عند كُتُب الأطفال، ولاحظْتُها وفيرةً في أَكثرَ من جناح، ولَها حيِّزٌ مستقلٌّ خاص في أَكثرَ من ناحية. وهي ظاهرةٌ خـيِّـرةٌ وصالـحةٌ وضروريةٌ لإغراء أَطفالنا وفتياننا بالإِقبال على الكتاب. لذا لَفَتَني ما في تلك الكتب من إِخراجٍ مُشَوِّقٍ وأَغلفةٍ جذّابةٍ وعرضٍ لافت، قبل الدخول إلى مضمونها الذي لا أُجادل في مستواه أو مـُحتواه أو نُصوصه لأنها عادةً مدروسةٌ وعلى معاييرَ عالية.
أَنتقلُ من هنا إلى ما أُلاحظه في معظم الكتُب العربية للأطفال، وهي لا تُراعي الإِخراج الجاذب ولا الغلافَ الذَّكيّ ولا العرضَ اللافت، إضافةً إلى مضمونٍ في أَكثره إمّا ساذَجٌ وإمّا بدائيّ، أَو تَعليميٌّ باهتٌ مُسطَّح، في نصٍّ لا يكادُ الولد يَبدأُ بقراءته حتى يَهْجُرَهُ أَو يَتَهَجَّرَ منه، وتالياً من الكتاب العربي عُموماً، ولاحقاً من كلّ ما يتعلّق باللغة العربية والأَدب العربي.
ويتساءَل بعدها الـمُتسائلون لـماذا يَهْجُرُ أَولادُنا العربيةَ لغةً وكتاباً وتعاطياً عملياً.
بين أَيدي أَطفالنا وفتياننا وفتياتنا اليومَ جميعُ وسائل التكنولوجيا الإلكترونية من “آيْـﭙَـاد” و”آيْـﭙُـود” و”لاپتُوپ” وأَجهزةٍ خَلَويةٍ تَفتح لهم الإنترنت آفاقاً وِسَاعاً على قراءةٍ أَجنبيةٍ لم يعُد يتناسب معها كتابٌ عربيٌّ ساذَجٌ سطحيٌّ مُسَطَّحٌ لا يَـجذُبُـهُم إلى قراءته ولا إلى التعلُّم منه والتَّمتُّع بِـمَضمونه.
لذا على الناشرين والـمؤلِّفين أَن يكونُوا في الكتاب العربيّ على مستوى الكتاب الأَجنبيّ والتكنولوجيا الإِلكترونية العصرية، فيُدخِلوا إليها نصّاً عربياً سائغاً مُفيداً مُشَوِّقاً مُـمْتعاً يُـقَـرِّبُ أَولادَنا من هذه اللغة العربية الجميلة ولا يُهَجِّرهم من كِتَابِـهَا وكُتَّابِـها، حتى لا يَـبُورَ الكتابُ العربيُّ على رفِّ الـمكتبة، فيبقى بَعيداً عن قُرّائه، وتبقى اللغةُ العربية مُهَجَّرَةً عن أَولادِنا (لأَن كتابهم الأَجنبيّ يَـجذُبهم إليه شكلاً وإخراجاً ورُسوماً ومضموناً)، ويبقى الكتابُ العربي ينادي وحيداً: “دَعُوا الأَطفالَ يَـقْرأُون إِلـيَّ ولا تُـهَجِّروهُم”.