هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1066: رحلة الأمل

الحلقة 1066: “رحلةُ الأَمَل”
(ليـوم الأربعاء 25 أيلول 2012)
إلى مُـخيَّمٍ قاسي الظروف في شبه جزيرة يامال (أقصى شمالي سيبيريا البعيدة) انتقل الرئيس الروسي ﭬـلاديمير ﭘـوتين مشاركاً قبل أُسبوعين فريقَ علماء روس في تجاربهم على إنقاذ تحريك طيور الكركي (جنس طيور طوال الساق)، وذلك بأن قاد الرئيس طائرةً دلتاويةً مثلثةَ الجناح، في رحلة سمّاها العلماء “رحلة الأمل”، والمقصود منها: إنقاذ نوع هذا الطيورِ النادر من الانقراض.
لبِسَ الرئيس برنساً أبيض، وصعد إلى الطائرة ذات المقعدين، ومعه بضعة طيور الكركيّ. وصدرت الصحف الروسية في اليوم التالي مهلِّلَةً للبادرة الرئاسية بعناوين كبيرة منها: “طيرٌ يُنقذه الرئيس: ﭬـلاديمير ﭘـوتين يعلّم طيور الكركي على الطيران”. وأضافت الصحف أنّ هذه ليست أول طائرة يقودها الرئيس الذي يقود أنواعاً مختلفة من الطائرات، كي يُثبتَ شبابه الدائم (هو اليوم في التاسعة والخمسين). والقناة الأُولى في التلـﭭـزيون الروسي الرسمي صدَّرت نشرتها الإخبارية بِـمَدح الرئيس الروسي الذي “قاد الطائرة عالياً ليدرِّب الطيور على الانطلاق في الفضاء الواسع”. وفي تصريحٍ مقتضَب للرئيس لدى هبوطه، أبدى فرحه بالرحلة وبتشجيع الطيور على ارتياد الفضاء كي لا تظلّ على الأرض أو في الماء وتنقرض.
جوهرُ هذه التجربة العلمية على تلك الطيور النادرة المولودة في تلك الناحية النائية المعزولة: إعادةُ تأهيلها بتمرينها على الانخراط في مساحات الفضاء. فبِاتّباعها خطَّ الطائرة الدلتاوية، تطيرُ وراءها تلقائياً فتستعيدُ مكانها الطبيعي في وساعة الفضاء كسائر الطيور، ما يساعدها على الهجرة شتاءً إلى المناطق الدافئة، فلا تقضي برداً أو متجلدةً في أقاصي سيبيريا وتفنى وتنقرض.
هذه البادرة يتعمَّدها الرئيس الروسي الـمهتمّ بالحؤول دون انقراض أنواع حيوانية نادرة، كما فعل قبلاً وظهر في صُوَر له مع نَـمر في سيبيريا، وفهد في مجاهل الثلج، ودُبّ أبيض في ناحية الأركتيك (أقصى القطب الشمالي).
مقابل إيجابية البادرة، قامت اعتراضات عليه من ناشطين بيئيين استهجنوا استغلاله الحيوانات البرية لتلميع صورته السياسية.
في الناحية الأُخرى من اعتراضات الناشطين البيئيين، ينشب السؤال: مهمٌّ أن يهتمَّ رئيسُ دولة عظمى بـحيواناتٍ أو نباتاتٍ على شفير الانقراض لإنقاذ هذه الكائنات من انقراضها.
ولكنْ… “رحلةُ الأمل هذه” في الطائرة الدلتاوية، ألا يُـمْكن أن تقومَ رحلةٌ مشابهةٌ لها صوب الشرق الأوسط يقوم بها الرئيس “ذو القلب الكبير الحنون”، أيُّ رئيس دولةٍ عظمى ذي “قلبٍ كبير”، فينقذُ من الانقراض شعباً كاملاً مهدداً بالموت في حروبٍ شرسةٍ لا تنتهي، وبـخطَرِ جسمٍ سرطانـيّ في المنطقة يدعمه بالمقوّيات الشرسة رؤساءُ الدول الكبرى؟
“رحلة الأمل” التي شاءها رئيس الروسيا لإنقاذ الكركي فيدربه على الطيران حتى إذا حطّ على الأرض يكون عَوَّدَ الكركي على الطيران، ألا يمكنه حثَّ حلفائه في المنطقة أن يحطوا على الأرض ويَـحطُّوا معهم غصن السلام في الشرق الأوسط فتُخرج هذه المنطقة من عذابها الذي يودي بها الى انقراض السلام؟
الكركيّ المهدَّد بالانقراض يستاهل إنقاذاً رئاسياً من الانقراض. ولكنّ في هذا الشرق، يا رؤساءَ الدول الكبرى أصحابَ القرار، شعوباً كاملةً تنتظرُ بادراتٍ رئاسيةً لإنقاذها من الانقراض.
والشعوبُ الحيَّةُ أَسبقُ إلى الإنقاذ من طائر الكركي في مجاهل سيبيريا.