هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1063: ممنوع يَعني ممنوع

الحلقة 1063: مَـمْــنُــوع يَــعــنــي مَـمْــنُــوع
الأربعاء 5 أيلول 2012

لم يَكد يَبدأُ، مع مطلع هذا الأُسبوع، تطبيقُ القانون 174 بمنع التدخين في الأماكن العامة المقفلة حتى بدأَتْ تتعالى صرخات الاعتراض، وبينها أنّ الدولة مهتمّةٌ بمنع التدخين في حين لديها أولويّاتٌ أكثرُ إلـحاحاً كمشاكل الكهرباء والمياه وسلسلة الرُّتَب والرواتب وزيادة الأُجور وأَخطار الخطف وقطع الطرقات والأمن المتدهور هنا وهناك.
إنّ منْعَ التدخين لا يقلُّ إلـحاحاً عن أيّة مشكلة أخرى. وارتفاعُ الفاتورة الصحية يعكس مضارّ التدخين على الصحة العامة الفردية والعائلية والجماعية. لذا منعُ التدخين ضرورةٌ رئيسةٌ كما في دوَل العالم التي تعاني من مشاكل شتّى لكنها تـُحافظ على البيئة وحقوق الإنسان ببيئةٍ نقيةٍ نظيفة من التدخين. غير أن الأمر هنا في مكانٍ آخر: ليس المهمُّ قوةَ ردعٍ “تَــتَــعَــنْــتَــرُ” بـها الدولةُ كي تطارد فُلُولَ المدخِّنين في زوايا المطاعم والمقاهي أو تهدِّدَ بغرامة مالية مرتفعة تكوي جيوب المدخِّنين المخالفين القابعين سرّاً يتلطَّون من كبسة رجال الأمن. المهمّ أن يساعدَ على تطبيق القانون المجتمع المدني نفسُه حين كلُّ مواطنٍ يكون ضابطة سياحية وضابطة عدلية وشرطيَّ ردع، فيرتدعُ ذاتياً قبل أن تردعَه الدولة، من أجل صحّته وأَمنه وأَمانه أولاً، وكي لا يَبُثَّ سموم دخانه في الآخرين حوله.
كلُّ مواطنٍ مسؤولٌ ذاتياً عن تطبيق قانون منع التدخين، كما هو مسؤول ذاتياً ليرتدع عن العبور على الضوء الأحمر، والمرور عكس السير، والوقوف تحت لافتة “مَـمنوع الوقوف”، والقيادة بدون حزام الأمان، والمهاتفة خلال قيادة السيارة، ورمي النُّفايات من نافذة السيارة إلى الشارع، وهذه وسواها مضارُّ وأَخطارٌ له أولاً ثم لِمَن حولَهُ من المواطنين، وخطرُها داهمٌ كلَّ لحظة، تماماً كخطر التدخين في الأماكن المقفلة، ووقاحةِ رشرشةِ السُموم على الآخرين من سيكارةٍ خبيثة، أو سيكارٍ غليظٍ أو أَركيلة شمطاء.
نفهم قلق أَصحاب المطاعم والمقاهي على الإقبال لديهم، لكنّ القانون صدر في أيلول 2011 وأعطاهم سنةً كاملةً للتطبيق واتّخاذ تدابيرَ في مطاعمهم تُتيح لزبائنهم التدخين من دون إزعاج غير المدخّنين. ثم: هل فعلاً يخسر أصحاب المطاعم من هذا القانون؟ ألن يربحوا الآن إقبالاً متزايداً من غير المدخّنين وهُم ليسوا قلةً وسيزدادون أمام تضاؤل المدخّنين ووعي الضرر السرطاني القاتل؟
قبل هذا الأُسبوع، كان طلبُ وقْف التدخين أمراً يتطلب التهذيب والمراعاة.
منذ هذا الأُسبوع، لكل مواطنٍ حقُّ أن يطلب وقْف التدخين حوله بقوَّة القانون الذي يطال المدخِّن وصاحبَ المكان.
منذ هذا الأُسبوع، فليحفظْ كلّ مواطن هذا الرقم الخلوي 1739 للاتصال الفوري بالشرطة. وإذا في الدولة بِدعة “الأمن بالتراضي”، فالقانونُ ليس “بالتراضي” لأنّ تطبيقه يَـحمي المواطن من كلّ خطر. وتَنَشُّقُ الدخان ليس أقلَّ من أيّ خطر آخر. من هنا مَنَعَ القانون، منذ آذار الماضي، بثَّ الإعلانات المغرية بالتدخين، وقريباً تُزادُ الضريبة على ثمن علبة السكائر.
هذا المواطن الذي يرتدع قسْراً عن التدخين في الطائرة وداخل الأماكن العامة في أية مدينة من العالم، فَلْيَرْتَدِعْ أولاً في وطنه كي يستحقَّ شرف المواطَنَة. وإذا كان في بلاد الآخرين يرتدعُ عن التدخين لـخوفه من القانون، فَلْيَرْتَدِعْ في بلاده لاحترامه القانون.
ومَن يستهين بقانون بلاده أنْ ليست لها قوةٌ كافيةٌ رادعةٌ ستضبطه وتعاقبه، هو مواطن فاسدٌ يستغلُّ فرصة المخالفة ليغتصب راحة الآخرين في الاستمتاع الأناني بسيكارة أو سيكار أو أركيلة.
وحِـمايةُ القانون في أنّ حريّةَ الفرد تنتهي حيث تبدأُ حريّةُ الآخرين.