هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

758: “فُضُول”

“فُــضُــول”
السبت 1 أيلول 2012

-758-

“في نحو العام 2020 سنُرسل مسْباراً يَـحمل إلينا شرائحَ من تربة المرّيخ كي نتبيّن طبيعةَ الحياة على سطحه، وَوُجُودَ عناصرَ عضويةٍ، وطبيعةَ مناخِه وإمكانَ الاتصالات مع الأَرض، فنؤمِّنَ حماية الإنسان فوق، على أن تكون أول رحلة بشرية إلى هذا الكوكب نحو العام 2040”.
الكلام للعالِـم اللبناني الأصل شارل العشّي بعد نجاح المسبار “كوريوزيتي” (“فُضُول”) في الـحَطّ على سطح المرّيخ قبل أيام، بعد رحلة استغرقَت خمسة أشهر، هي الثانية بعد أُولى بِـمِسْبارَين معاً في العام 2004.
الرحلتان قادَهما اللبناني العبقري بفريق من خمسة آلاف شخص لدى مركز الـ”ناسا” الذي يتولى فيه إدارة “مُـختبر الدفع النفّاث”، ويرمي، بعد غزو المرّيخ، إلى غزو كوكب الزُّهرة (ﭬـينوس).
المسبار “فُضُول” سيبقى سنتَين فوقُ، يرسلُ خلالهما تحليلاتٍ كيميائيةً لتربة المرّيخ التي اختفى عنها بحرٌ كبيرٌ كان فيها منذ نحو خمسة ملايين سنة. والمكتشفات على سطحه تقود إلى فهم تكوين الأرض، وكلاهما من عمر واحد.
بين أسئلةٍ أجاب عنها شارل العشي بعد نجاح المسبار “فُضُول”، سؤالٌ عن إرسال رجل إلى المرّيخ قريباً، أجاب عنه: “ولِـمَ لا تكون امرأَة؟ نخطِّط اليوم لرحلةٍ بعد ربع قرن إلى المرّيخ يكون فيها رجال ونساء”. ويُلمحُ بِـهذا إلى كتاب الأميركي جون غراي “الرجال جاؤوا من المرّيخ والنساءُ من الزُّهرة” (باع 7 ملايين نسخة عند صدوره في 1992 وبقي 121 أسبوعاً أكثر الكتب مبيعاً في العالم).
بلى: يفكّر هذا اللبنانيُّ بالمرأة أيضاً حين تَبدأ إلى المرّيخ رحلات البشر. فما أَسمى تفكيرَه وأَنبَلَ أَصلَه، وما أَوسعَ الفارق وأَوجعَه كثيراً بين ذاك اللبنان هناك وهذا اللبنان هنا.
في لبنان الـــ”هناك” شارل العشّي، بِـمسبار “فُضُول”، يهيِّئُ لسنواتٍ بعيدةٍ مقبلةٍ رحلةَ الإنسان إلى المرّيخ، وفي لبنان الـ”هنا” لا يُهَيِّئُ الإنسان ساعاتٍ قريبةً مقبلةً بـِـمسبار مصيرِه فيتقزّم “فُضُوله” إلى أن يعرف إذا كان سيحصل الليلة على كهرباء، أو غداً على مياه، أو بعد غَدٍ على طريق المطار سالكة، ولا يضمَن أن يكون الأسبوعُ المقبل خالياً من خطف أو سرقة أو اغتيال أو إحراق دواليب أو قطع طرقات أو نشوء جناح عسكري لقبيلة أو عشيرة.
لبنان الـ”هناك” اسمُه شارل العشي: يَـمتَدُّ “فُضولُهُ” سنواتٍ طويلةً إلى الأمام وخارج كوكب الأرض.
ولبنان الـ”هنا” اسمُه كلُّ لبناني: لا يَـمتَدُّ “فُضولُهُ” ساعاتٍ ضئيلةً إلى الأمام وخارج مساحة شارعه.
ومع هذا… نَتَوَهَّمُ أنّ عندنا دولةً تَـحمينا، وتُـهَيِّئُ مستقبلاً لأولادنا وللمساكين أولادهم.