هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

757: أنّى كان المصدر وأيّاً كان المُصادر

أَنّى كان الـمَصْدر وأَيّاً كان الـمُصَادر
السبت 25 آب 2012
-757-

استَشْهَدَ بمقطعٍ ضئيلٍ من كتابٍ بدون ذكْر مَصدره، فأَوقَفَتْهُ إدارتُه شهراً عن العمل، مبرِّرةً بأن “معيار المحلّل لا أن يكون نصُّه حقيقياً صادقاً وحسب، بل أَصلياً فيه بحثٌ وإضافةٌ وابتكار”.
إنه فريد كريم زكريَّا، الهنديُّ الأصل، المحلّل الصحافي في مجلة “تايم”، والمعلِّق التلـﭭـزيوني في الـ”سي.إن.إن”. نقَلَ مقطعاً من مقال نقديّ نشرَه جيل لــيـﭙـور في الـ”نيويوركر” عن كتاب آدم رِنْكْلِر “الصراع حول حقوق حمْل السلاح في الولايات المتحدة” ولم يذكر زكريّا في نصّه مصدر ذاك المقطع.
إلى توقيفه عن العمل، أَرغمَتْه الـ”تايم” على نشر اعتذاره إلى ليـﭙـور، ففعَل، معترفاً بأنّ ما ارتكبَه “خطأٌ رهيب”.
وهو نفسه كاد يقع ضحية “سرقة أدبية” حين أصدر كتابه “العالَـم الأميركي بعد الحرب” (2008) فاتّـهَمَتْه الـ”واشنطن بوست” بـ”سرقة” مقطع فيه عن كتاب آخر من دون ذكر المرجع، حتى أثبَت العكس فنشرَت الـ”واشنطن بوست” اعتذاراً من زكريّا.
بين صدْق الكاتب والمصداقية في الكتابة: شرطُ ذكْر المصدر أو المرجع والدقّة في الإشارة إليه تفصيلاً. وطالما كان المرجع ضرورياً للكاتب، فكيف يستشهِد بالنص ويُغْفل مصدر النص؟
الشاهد من هذه الحادثة: الحرص لا على الحقيقة الواقعية وحسْب، بل على الإتيان الخلاّق بالجديد. من السهل نقْلُ الحاصل أو الواقع كما هو، لكن الأصعب: تجاوُز الواقع إلى البحث والابتكار، وهنا فن الإبداع الخلاّق.
أَكتُبُ هذا وفي بالي نُصوصٌ كثيرة عندنا يُغفل فيها الكتّاب ذكر مصادرهم، أو “يستنسخون” (ولا ينسخون فقط) مقاطعَ كاملةً أو نصوصاً شبه حرفية من مراجع منشورة أو مصادر شفوية لا يَذكرونها فتَنتسب المقاطع إلى كاتبها الناسخ.
بلى، هكذا عندنا: أَيٌّ كان يَأْخذ عن أَيٍّ كان من أيّ نصٍّ كان، ولا مَن يُحاسب ولا مَن يَسأل ولا مَن يُراقب أو يُعاقب.
وما يصُحّ في السرقات الصحافية يصُحّ في السرقات الأدبية – وبينها الأكاديميّ- ما وبينها الأكاديميّ-، ما يُلغي كلَّ فاعليةٍ لعبارة “جميع الحقوق محفوظة” أو “يحَظَّر الاقتباس الجزئي أو النقل الحرفي أو الترجمة بدون الإذن الخطي من الناشر أو المؤلف”.
في البلدان الـمُحترِمَةِ “حقوقَ الملكية الفكرية”: الاستشهادُ بأَيِّ نَصّ (أو ترجمته) يَفرضُ العودةَ إلى صاحبه أو الاستئذان الخطّي من الناشر أو المؤلف ثم الإشارةَ إليه بالتفصيل الدّقيق.
فإذا قارنّا ذلك بما يحصل عندنا، نفهم كيف حقوقُ المؤلف في الغرب مصدرٌ كافٍ ليعتاش منه، وكيف هي عندنا كرم على درب، أَنّى كان الـمَصْدَر وأَيّاً كان الـمُصَادِر.