هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 79
“لبنان… الجوهرة الفينيقية”- الفرنسي جان ﭘـول ﭘـلانكان
الأحـد 26 آب 2012

ليس الكاتبُ لبنانياً فنتَّهمه بالشوﭬـينية، وليس المصوِّرون لبنانيين فنتَّهمهم بالانحياز الخاص إلى الجمال اللبناني، وليس الناشر لبنانياً فنتَّهمه بالتعصُّب لإصدار كتابٍ يسوّق لبنان. فالكاتب فرنسيّ: جان ﭘـول ﭘـلانكان، والمصوّرون فريق فرنسي، والناشر فرنسيّ ACR (Art – Création – Réalisation)، والكتاب بالفرنسية صدر في فرنسا سنة 1998 وعنوانه “لبنان… الجوهرة الفينيقية”(Liban: La Perle Phénicienne) في 288 صفحةً قطعاً كبيراً، تطرِّزُها نصوصٌ عن لبنان وتَشُعُّ فيه صُوَرٌ تتنافَس كي تهتِفَ كلُّ واحدةٍ منها: “أَنا أَحلى”. هكذا إذاً: على كلِّ ذوّاقةِ جمالٍ وعرّافةِ تاريخٍ وعلاّمةِ طبيعة، يفرض لبنانُ حضورَه الساطع عسى أَبناؤُه اليوم يدركون عظمته وجماله وفرادته بين البلدان، كما تظهر جميعُها نَوَّارةً في هذا الكتاب الأجنبي.
تتصدّر الكتابَ أَبياتٌ من لامرتين جاء فيها: كُنّا نُصَعِّدُ لاهثين، حينَما أطلَّت علينا أرزاتُ لبنان، باسطةً فوقَنا مهابةَ ظلِّها، كأنّها شجراتٌ من زرع الله… فَانحنَيْنا خاشعين (“سقوط ملاك” 1840).
في الكتاب أحدَ عشرَ فصلاً، تفتَتِحُها مقدّمةٌ عن لبنان القديم منذ الفينيقيين زماناً، ومكاناً منذ بيبلوس أقدم مدينة في العالم، وطقوس العبادة فيها لأدونيس رمزِ المواسم والموت والقيامة.
في فصل الجغرافيا أنّ لبنان “أرضٌ من الشَّرق، غنّاها الكتابُ الـمُقدَّس نَبَوّياً على أنّها أرضُ اللبن والعسل والينابيع الفوّارة والأرزةِ شجرةِ الرب، فلبنانُ عناقُ الزّبَدِ والرِّمال، زواجُ حُبٍّ منه وُلِدَت فينيقيا حضارةُ البحّارة والحطّابين، حضارةُ حيرام ملك صُوْر، المدينةِ التي ضَمَّت البحرَ الواسع إلى القمَم العاليات”.
من الجغرافيا ينقلُنا فصلٌ آخر إلى التاريخ، إلى عراقة بيبلوس ونهر الكلب وأمجادِ فينيقيا ونواويس صُوْر وقلعة صيدا وقلاعٍ هنا وهناك، تجعلُ لبنان سحراً من الجغرافيا وسرّاً من التاريخ، بين بحرٍ وجبل، بين سهل البقاع وجنّة إهدن.
وفي فصل “لبنان فنُّ حياة” يتهادى الكتابُ على نصوصٍ وصُوَرٍ سياحيةٍ رائعة، عن مآكل لبنان الفريدة، وسهراتِ لبنان الغنّاء، ومهرجاناتِ لبنان المزغْردة، وعادات لبنان الأصيلة وفنونه وفاكهته وحلويات، تجعله جنّةً يَتُوق إليها مَن لم يعرف طعم الجنَّة.
نُقَلِّبُ بعد: تطالِعُنا صَفَحاتُ التجوال في معالم لبنان السياحية، بدءاً من الحُلوةِ بيروت، وتوَجُّهاً إلى مناطقَ لبنانيةٍ في كلِّ واحدةٍ بينها فردوسُ جمالٍ وعراقةٍ وبهاء، فلبنان الحياة تَليقُ له ولأبنائه الحياة.
ويُخصّص الكتاب فصلاً مستقلاًّ عن بيروت، الساحرةِ بيروت، البهيَّةِ بيروت، الشهيدةِ بيروتَ التي، كما في جميعِ عصورِها، تَنهَضُ من تحت الرُّكام أَنضَر وأصبى وأجمل، يظلُّ فَجْرُها يُطِلُّ من خلف صنّين، يظلُّ غروبُها يَستَحِمُّ تحت صخرة الرّوشة، وتظلُّ هي هي: بيروتَ الثقافةِ والفكر والجامعات، بيروتَ الحرّيةِ والنضالِ من أجل الحرّية، بيروتَ العاصمةَ العاصيةَ على الزلازِل.
نَـمُرُّ في فصولٍ تالية على الشوف مَهْداً تاريخيّاً عريقاً، وجبلاً صَدَّ بقلاعِه الأخطار عن لبنان فخر الدين وبيت الدين وأزمنة البطولة. ونُكمِلُ إلى الجنوب أرضِ الأُرجوان واللآلئ الفينيقية الـمُشَعْشِعَةِ في صيدا وصور.
ثمّ ها نحن في الشمال: في طرابلس العريقة ساحلاً، ثمُّ صُعُداً نحو الأرز وما حولَهُ من هيبةِ جبالٍ وهيبةِ تاريخ، وبينَهُما عكّار، وعلى كتِفِها البقاع حيثُ بعلبَكُّ وعنجر… وهي في جميعِها أرض الشمس، أرضُ الجمال، أرضُ الخير والينابيع.
مُدْهِشٌ هذا الكتابُ الذي لَم يشاركْ فيه لبنانيٌّ واحد، ومع ذلك هو يعني كُلَّ لبنانيٍّ واعٍ عظمةَ أرضه طبيعةً وتاريخاً، وواعٍ عظمةَ المحافظةِ عليها قبل أَن تَتَشَرَّدَ مَـخطوفةً بين عصابات هذا الزمن الغادر.