هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

753: إنها أرضُـنا المباركة

إنها أَرضُنا المباركة
السبت 28 تموز 2012
-753-

في الأَساطير منذ القِدَم أن أوروپّ، ابنة أَشنّار ملك صُوْر، هام بها كبيرُ الآلهة زوس فتحوَّل ثوراً أبيض وخطَفها عن شاطئ صُوْر إلى جزيرة كريت في اليونان. ويروي أبو التاريخ هيرودوت أنْ تسمَّت باسمها القارةُ كلُّها من اليونان إلى روما القديمة فسائر المنطقة التي ولدت فيها الحضارة الغربية.
بقيَت هذه الأُسطورة، بأشخاصها وجغرافياها، سائرةً حتى حسَرَت صيدا قبل أسابيع عن كنزٍ قد يجعل التاريخ يتغيّر.
البعثة الأثرية التي شكّلها المتحف البريطاني قبل 14 سنة للتنقيب في آثار صيدا، ولا تزال تعمل على مساحة ترقى إلى أواخر الألف الرابع وأوائل الألف الثالث (ق.م.)، فيما كانت تنقِّب في الضريح رقم 123، اكتشفَت كنوزاً نادرةً مذهلة: فُكُوكاً بشريةً وحيوانيةً متحجّرة، أختاماً أسطوانية، فخارياتٍ يونانيّةً وكريتيّةً قديمة، و…عملةً قديمة محفورة عليها صورة أوروپّ ممتطيةً متن ثور، يطير وراءها شالُـها كما قوس الغمام وعلى وجهها ملامح الفرح. وتشدِّدُ مديرة الحفريات الباحثة الأثرية كلود ضومط سرحال على نقاوة المحفورة وتفاصيلها بيِّنةً واضحةً لم تُـحَتِّتْها سنواتٌ دهريةٌ تفصلنا عنها.
هذا الاكتشاف، قبل أسابيع، يتزامن مع ندواتٍ متخصِّصةٍ في أوروﭘـا قبل أشهر، تساءَل مُـحاضروها إن لم تكُن أوروپّ صيدونيةً لا صُوْرية. ودعموا نظرياتهم بأن ليس ما يثبت أنها صُوْرية، فلم يتمّ في صُوْر اكتشاف أية فسيفساء أو قطعة تشير إليها.
وأكثر: بين مكتشفات صيدا متحجِّراتٌ كثيرةٌ مصدرُها كريت – الجزيرة التي، بحسب الأُسطورة، طار زوس إليها بمخطوفته أوروپّ- ما يشير إلى كنوزٍ مماثلةٍ من العصر الحديدي، تكشف كلود سرحال أن معظمها صيدونـيّ، بينها أقدم “كأس كريتية في المشرق”، آلةُ مَزْهَر موسيقيةٌ على وجهَيْها رأْس “هاثورا” إلهة الحب والفرح والرقص والموسيقى، وتمثالُ رجُلٍ يصلّي في الألف الثالث-التشخيص الوحيد لإنسان 3000 سنة (ق.م.)-، ومئاتُ المصابيح الفخّارية والأساور الفضية وحليّ من ذهبٍ وعقيق، جميعُها وسواها ستشكِّل مادةَ متحف تاريخيّ نادر يتم تحضيرُه.
مرةً أخرى، بعد مرّات، تحسُر أَرضُنا عن كنوزٍ تاريخيةٍ وأثريةٍ تجعل لبنان على الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.
وأن تكون أوروپّ بنتَ صُوْر أو بنتَ صيدا، فهيَ في الحالين فينيقيةٌ أعطت اسمَها القارةَ التي شعّت عصوراً وعُقوداً قارةَ العلْم والعقل والمعرفة.
إنها أَرضُنا المباركة: أرضُ الحضارات قبل المسيح، مرَّ بها المسيح في تجواله عندنا، وَوَرَدَت باسمها في نصوص الأناجيل، أرضُ أوروپّ التي لا يَهُمُّ بعدها أن تكون بنتَ صيدا أو أن تكون بنتَ صُوْر.