هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1057: حين المفردُ "أنا" ليس جَمْــعُــهُ "نحن"

الحلقة 1057: حين المفردُ &quot;أنا&quot; ليس جَمْعُهُ &quot;نحن&quot; <br />الأربعاء 25 تموز 2012<br /><br /> بين غطْرسة الملك الفرنسيّ لويس الرابع عشر في قَوْلته &quot;أنا الدولة&quot; (L’État c’est moi)، وقَوْلة الفيلسوف الفرنسي بليز ﭘـاسكال: &quot;الـ&quot;أَنا ممجوجة&quot; (Le moi est haïssable)، يبدو أن في سياسيّينا من اعتمدوا قَوْلة &quot;الملك الشمس&quot; وغطرستَه كي يزدادوا غطرسةً ويفرضوا &quot;أَنا&quot;هُم علينا، ويُقنعونا بإنجازاتهم المديدة وأفكارهم السديدة ومشاريعهم العتيدة، مُنْكرين كلَّ ما كان قبلهم، مُرخين اللوم على أَسلافهم بالتقصير، مُبشّرين بما تصنع أَيديهم هُم من خيرٍ للبلاد سيأتي على أيديهم.<br /> منهم من يتوجَّه إلى المواطنين مُبشِّراً إياهم بأنه أنجز لهم هذا أو ذاك من المشاريع التي تعود بالنفع عليهم بفضله &quot;هو&quot;.<br /> ومنهم من يصرّح بأنه &quot;هو&quot; وضع مخطَّطاً أو تصميماً للخروج من الأزمة، ولا يرعوي عن التحدُّث بالـ&quot;َأنا&quot;، كأن &quot;أَناهُ&quot; هي التي خطّطَت وصمَّمَت، مُطيحاً بذلك جهدَ فريقِ عملٍ كاملٍ خطَّط وصمَّم وراجعَ ونقَّب في المراجع القانونية والإدارية وخرج بالحلول بين حلٍّ أولَ، وحَلٍّ بديل، وحلول موازية في حال لم ينْفُذ مخطط من المطروح.<br /> وبالغطرسة نفسها يخرج المسؤولون الأشاوس على كرنَــﭭَـالات الـ&quot;توك شو&quot; في التلافيز فيقول واحدهم: &quot;هذا مشروعي لهذا الموضوع&quot;، أو &quot;هذا حَلِّي لهذه المعضلة&quot;، وهو يكون آخِرَ من يفهم في هذا الموضوع.<br /> غريب أمرُهم، هؤلاء المتغَطْرِسُون من &quot;بيت بو أَنا&quot; (على وزن &quot;بيت بو سياسة&quot;): ذاكرتُهم قصيرة حتى ينسَوا بأنّ مَن هُم أكبر منهم، حُكّاماً أو رؤساء، تغطرسوا وانتهَوا هُم وأَناهُم، على حبلِ مشنقةٍ، أو في حفرةِ صَرفٍ صحيّ، أو في مستشفى إقامة جبرية أو في منفى، ولم يبقَ من أَناهُم سوى لعنة الشعب على تلك الـ&quot;أنا&quot; الطاووسية المتغطرسة؟<br /> هؤلاء المتغطرسون، هُم ومعلّموهم وزعماؤهم الذين جاؤوا بهم، لـم يتعلَّموا أنّ الوزارة – أو وظيفتَهم في الدولة – ليست من ممتلكاتهم ولا من موروثاتهم، وليست حقاً دائماً لهم. فبَعْد ساعةٍ واحدة من استقالة الحكومة لن يعودَ يلتفتُ إليهم حتى الذين كانوا يبكِّلون جاكيتاتهم أمامهم ويَنحنُون إجلالاً لأفكار معالي الوزير العبقرية؟<br /> أَلا بعضَ الخجل يا أَصحاب الدولة والمعالي والمناصبِ المسؤولة. لا أقول &quot;بعضَ التواضع&quot; بل &quot;بعضَ الخجَل&quot;، وارعَوُوا عن التجريح بأَسلافكم كأنّ إدارتكم وُلِدَت معكم وسوف تستمرُّ لكم، وارعووا عن الإدِّعاء بإنجازاتكم وعن إهمال جهد العارفين في إدارتكم. إن هذه الإدارة أو الوزارة أو المسؤولية، هي مُلْكُ الشَّعب وحده، وأنتم خادمو الشعب وليس الشعب خادماً لديكم.<br /> يا أصحاب الـ&quot;أنا&quot; الطاووسية: حتى لويس الرابع عشر، الملك الشمس، رغم كلّ ما حقَّقه من إنجازاتٍ هامّةٍ لبلاده، ماتت &quot;أَناهُ&quot; معه، وبقيَت فرنسا الديمقراطية والمساواة، لأن &quot;أنا&quot; الحاكم لا تصنع الدولة.<br /> وهكذا كلُّ مَن يَتَطَاوسُ بـ&quot;أَناهُ&quot;، تنتهي &quot;أَناهُ&quot; معه، وتغرَقُ بِهِ ويغرق معها إلى… مجاهل النسيان.