هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 60
“المسيحيون والوادي المقدّس”- الإعلامي جورج عرب
الأحـد أول نيسان 2012

كأنّه معلَّقٌ في تنهيدةِ صلاةٍ أو ابتهالِ دُعاءٍ… هذا الوادي المقدَّس !!
كأنّه – بـمغاوره المحفورة في الصخور عاليةً عاليةً فلا يبلُغها غير البُزاة – مرصودٌ على روحانيةٍ فريدةٍ شدّت إليها نُّسَّاكاً وطوباويين عاشوا فيها، وفيها ماتوا مُزَنَّرين ببخور القداسة.
أمامي كتاب “المسيحيُّون والوادي المقدس” للإعلامي جورج عرب، جُزءاً أَوَّلَ من سُباعيته “سلسلة الوادي المقدس”.
الكتاب من 320 صفحة، مربَّعُ الشكل، أنيقُ الطباعة، ناطقٌ بصُوَرِه، مُوْحٍ بنُصوصه، تنضح منه بنفسجاتُ التاريخ الكَنَسيّ والرهبانـيّ كما مبخرةٌ أمام بيت قربانٍ تَنْدَهُ المؤمنين إلى جُثُوِّ الخشوع.
في مقدمة الكتاب أشار البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى أنّ هذا الكتاب “ذو فائدةٍ روحيَّة وبُعْدٍ وطنيٍّ لــخير اللبنانيين”.
وفي تصدير المؤلّف أنّ الكتابَ “تسليطُ الضوء على ما طَبَع به الكنيسةَ المارونيةَ هذا الوادي المقدس، فشكّلَت بأبنائه والجوار تجربةً فريدة في العالم كرّسَت الوادي مشهداً ثقافياً للإنسانية بتصنيف منظمة الأونسكو إياه على لائحة التراث العالمي في كانون الأول 1998″.
قام بناءُ الكتاب على ستة فصول.
تناول أوّلُـها سلسلة البطاركة الموارنة من أولهم مار يوحنا مارون (القرن السابع) حتى السادس والسبعين مار نصرالله بطرس صفير (صدر الكتاب مطلع سنة 2011 قبل انتخاب البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي).
وتناول الفصل الثاني مقارّ البطاركة الموارنة في التاريخ، بدءاً من أنطاكيا ودير مار مارون العاصي، مروراً بيانوح في بلاد جبيل، فسيّدة إيليج في ميفوق، فلِحْفِد وحدَث الجبة وكفيفان وغوسطا وساحل علما وعرمون وزوق مكايل، فقنوبين في الوادي المقدس فالديمان، إلى أن قرر مجمع ميفوق جعْل بكركي مقرّاً بطريركياً سنة 1780 بعد شراء الدير من الراهبة هندية.
في الفصل الثالث أن البطاركة الموارنة في الوادي المقدس، أحياءَ ومدفونين، جعَلوا فيه حياةً رعَوية عمّقت حياة السكان بالأرض الوعرة القاسية، وخلقَت روحانيةً خاصة استقطبت إليه رحّالةً أجانبَ وموفَدين بابويين عمَّقوا الشركة الجوهرية مع كرسي بطرس في روما.
الفصل الرابع خصَّصه المؤلف لــ”معالـم الوادي المقدس” (“وادي قنوبين” نسبةً إلى دير سيدة قنوبين فيه، أو “وادي قاديشا” نسبةً إلى لفظة “قاديشو” السريانية ومعناها “مقدَّس)، وفيه “أساس محابس الجبل” (كما ذكر ابن جُبَير الأندلسي الذي زار الوادي سنة 1183). ويعدّد المؤلف بالنصوص والصور تلك المحابس، بدءاً مما في وادي مار إليشاع ومعالم بشرّي ومنها دير مار سركيس(حيث متحف جبران) إلى بقاعكفرا (ضيعة القديس شربل)، إلى حدشيت فبقرقاشا، فوادي قنوبين وأدياره وكنائسه ومحابسه فناحية بلوزا ومغارتها ومحبستها، فناحية الديمان ومغاورها ومزاراتها وكرسي البطركية فيها وحديقة البطاركة، فناحية حدث الجبة ومغاورها فناحية بيت منذر وقنيور، وصولاً إلى وادي قزحيا ومحابسه وأدياره (بينها دير مار أنطونيوس وفيه أقدم مطبعة في الشرق صدر منها “كتاب المزامير” بالكرشونية سنة 1610).
ومن “إيحاءات الوادي المقدس” في الفصل الخامس صُوَراً بليغةَ الإيحاء والتقوى وفرادةِ الحضن الطبيعي، إلى الفصل الأخير “دروب الوادي المقدس” مع الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير وسلوكه إياها وعرةً بعَلْواتها ووهداتها، ينغلق هذا الكتاب على نصوصٍ للكاميرا أبلغَ من كل كلام، وعلى نصوصٍ طالعةٍ من وثائق التاريخ، ليقدِّم جورج عرب فيها جميعها كتابه “المسيحيون والوادي المقدس” ملحمةَ شَعبٍ هرب من الاضطهاد وسَكَنَ المغاور والكهوف فجعَل منها: مهبِطَ وَحْيٍ للصلاة، فردوساً أَرضياً للتقوى، ومَعْلَماً تُراثياً عالـمياً يضع وطننا على خارطة الدولِ ضوءاً بهيّاً للروحانية، ومَوْطئاً فريداً للأُلوهة على أرض لبنان.