هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1053: “أنا المسؤول”

الحلقة 1053: “أنا المسؤول”
الأربعاء 27 حزيران 2012

تُطالعُنا – يوماً بعد يوم – أَنباءُ عنفٍ مرةً، وأَخبارُ تعنيفٍ مرةً، وأَحداثٌ عنيفةٌ في بلدةٍ أو مدرسةٍ أو بيت، حتى باتَ العنفُ سِـمَةً أخطرُ ما فيها أن يعتاد سَماعَها المواطنون فيتآلفوا مع واقعها ويستسلموا إلى عجز معالجةٍ لاحقةٍ لا يرون منها إلاّ هرولةً إلى فتح تحقيقٍ ينامُ في أدراج المسؤولين، وينامُ معه العلاج، ويتضاءل معه الاستعجال والاستعلاج.
مشكلةٌ حارّةٌ داهمةٌ دائمة: تبدأُ الحلول “بعد” وقوع الحادثة. فـــليس عندنا تخطيط مُسْبق لاستدراك وقوع الحادثة قبل أن تقع فيكون القانونُ كرباجاً جاهزاً بيِّناً حاضراً موجوداً واضحاً يخشاه كلُّ من يفكِّر بالإقدام على حالة عنف أو من يقع ضحية تعنيف. لكنّ الحاصل أنْ يعمد المواطن إلى تدبير ذاتيّ في تحصيل حقوقه بالعنف مقابل العنف، أو الثأر مقابل الحادث، في غياب عدالة صارمةٍ لم تَعُدْ تُـخيف أحداً طالـما تتكررُ الحوادث ولا ينال مرتكبُوها جزاءً قاسياً يردع سواهم ويمنع غيرهم ويخشع له الناوون ويخضع له المواطنون.
المشكلة الأخطرُ أنْ ليس في نظامنا السياسي ولا القضائي استباقٌ في النص التشريعي للإجراءات سلفاً ولا للحماية سلفاً، إزاء عملياتِ عنفٍ تسبِّبها أزمات اجتماعية أو سياسية أو دينية أو مذهبية. لذا نرى العنف يتكرّر والتعنيف يزداد: عنفٌ شفويٌّ في الشوارع، عنفٌ من كل نوعٍ في المدارس، عنفٌ في البيوت من أهلٍ على أطفالهم لكماً وضرباً واغتصاباً ووحشيةً حتى الموت، وتعنيفُ زوجاتٍ لا قدرةَ لهنّ على الانتفاض، عنفٌ في مراكز العمل تَـحَرُّشاً أو صرفاً تعسُّفياً، عنفُ المسؤولين ضد شعبٍ كاملٍ تُتَرجمه إجراءاتٌ “تصريحاتيَّة” عجيبةٌ غريبة، أبسطُها عقوبةُ كهرباء لم تزل مشكلةً مستعصيةً على كلّ حكومة حاليةٍ تتظلّم من سابقتها وتُرخي بالمشكلة إلى لاحقتها، وثمة العكس: عنفُ المواطنين ضدّ الدولة تترجمه يومياً في الفترة الأخيرة أعمالُ شغَبٍ وثأْر وانتقامٍ وإضراباتٍ واعتصاماتٍ وقطع طرقاتٍ رئيسةٍ حيوية وإحراق دواليب، وصرخاتُ شتمٍ وغضَبٍ ضد الحكومة ورموزها.
عنفٌ وتعنيف، سُخفٌ وتسخيف، جَدْفٌ وتجديف، وفي كل يومٍ عُرْفٌ وتعريف، والعنف ينفجر وتتشظّى أخبارُه في وسائل الإعلام سيلاً وَكَيلاً وويلاً وإنذاراتٍ بمصير مجهولٍ وغـدٍ مجهول، طالما لا نعرف بعدُ ماذا يفعل المسؤول قبل أن يعاود هجومَه الغُول.
وأخطر الأخطر أنّ انفجار العنف يشبه انفجار البركان: يخاله الناس مُطْفَأً هادئاً راكداً نائماً، حتى إذا صحا وزمجَرَ وانفجر، ملأت حممُه كلَّ مَن، وكُلَّ ما، بدون استثناء ولا رحمة.
ومن متابعة نشرات الأخبار إذاعيَّتِها والتلفزيونيّة، أو قراءة الصحف وتحقيقاتها الميدانية، يُصيب المواطنَ صداعُ قلقٍ وخوفٍ وقرفٍ ويأسٍ ولعنةٍ على مزرعةٍ يتصارع ساستُها لاستملاك مقاعدهم، وقبيلةٍ يتطاحن أولياؤُها على زعاماتهم، وغابةٍ ترزح تحت وحش الفوضى لا مكانَ فيها لـملجإٍ من قذائف العنف وقنابل التعنيف.
كنتُ أتمنّى ألاّ أكون سلبياً ولا متشائماً. إنما لا أستطيع أن أكون متفائلاً بسماجة، متأملاً بسذاجة، في زمنٍ ينقلنا من عنفٍ إلى عنف، ومن غولٍ إلى غول، ونبحث عمن يجرؤُ أن يقول: “أنا الآن المسؤول” فيبادر إلى إيجاد الـمُسْبَقِ الـمأمول من نَـجيع الحلول.