هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1041: المواطنية الصالحة في عُرض الفضاء

الحلقة 1041: المواطنية الصالحة في عُــرْض الفضاء
الأربعاء 28 آذار 2012

الشِّجار الذي حصل قبل أيام على متن طائرة الـ”مِدْلْ إيست” في رحلتها بين ﭘاريس وبيروت، إلى سُوئه أخلاقياً واجتماعياً، أَسوأُ ما فيه أن يَـخْرج إلى العلَن وينتَشرَ في التَّداوُل شِجَارَ عار بين مطار ومطار.
القصة أَنَّ مواطنَيْن لبنانيَّيْن، أحدُهما من الجنوب والآخرُ من البقاع، تَشاجرا في الطائرة واقتحَما المقاعد بين طَرَفـَي الطائرة هائجَين ثائرَين يَتبادلان الكلامَ غيرَ اللائق وسْطَ استهجان الركَّاب وصراخ النساء والأطفال ذُعراً مـما يجري في هذه الزنزانة الكبيرة الـمُحَلِّقة بين أرض وسماء.
ثلاث ملاحظات على ما جرى:
الأُولى: قلّةُ حياء المواطنَيْن أن يتبادلا الشتائم والكلمات النابية والزعيق والتهديد أمام عشرات الركاب الممتعضين اشمئزازاً واستهجاناً. كان الأول يزعق: “أنا مِن الجنوب فاعرِفْ مع مَن تتكلَّم” ويـُجيبُه الآخر “وأَنا مِن البقاع فاعرِف أَنتَ مع مَن تتكلَّم”. ولكن… لا الجنوب ولا البقاع يفخران بـمواطنَين فيهما من هذا المستوى.
الثانية: وَهْنُ الطاقم الجوي في الطائرة أَن يفصُل بين المتشاجرَين، فمعظم الطاقم صبايا عاجزاتٌ عن ردّ الهجمات اللفظية واقتراب المتشاجرَين واحدِهما من الآخَر لولا تدخُّل بعض الركاب فاصِلِين بينهما. وجاءت حكيمةً وحازمةً بادرةُ قبطان الطائرة بتحذيره الركَّابَ مرَّتين وأَمْرِهِ الصارم أَن يعودَ الهدوءُ إلى الطائرة وكلُّ مسافرٍ إلى مقعده وإلا فلَن ينتظرَ حتى يهبط في مطار بيروت بل سيهبطُ في مطار قبرص الذي أَعْلَمَ فيه الأمْن وسيسلِّمُ المتشاجِرَين معاً إلى شرطة مطار قبرص فور هبوط الطائرة فيه.
الثالثة: قلّةُ الحس الوطني لدى الشخص الذي، بكاميراه أو بجهازه الخلوي، صَوَّر من الحادث 7 دقائق و16 ثانية وسمعْنا صوتَه يقول لجاره إنه سيرسل باللقطة إلى إحدى محطات التلـﭭزيون ويضعُها على الــ”يو تيوب”، وهو ما فَعَلَ فَتَنَاقَلَتْها عنه مواقعُ إلكترونيةٌ كثيرة تتالت تعليقاتُ زوارها بما لا يشرِّف أبداً سمعة لبنان، بل ينقل إلى العالم صورةً غير لائقة بلبنان الذي ليست من شِيَمِه أن يَحصلَ في طائرته الوطنية هذا الشِّجار المسعور وما تخلَّله من تصرُّفات وعبارات. والفرق كبير بين الفوارق في شعبنا، وبين نشر فروقاتها البشعة على العالم.
إننا نعتزُّ كثيراً بشركة طيراننا الوطنية الـ”مِدْل إيسْت”، وبقادة طائراتها الذين أثبتوا مراراً في مواقفَ وظروفٍ دقيقةٍ وصعبةٍ جدارةً مهنيةً واحترافيةً وتقنيةً عاليةً تَنْدُرُ في سائر شركات الطيران العالمية.
من هنا أن اللوم الأول يتحمَّله ذانِك المواطنان الجنوبي والبقاعي على تصرُّفِهما غير اللبناني، ويتحمَّلُ اللومَ التالي الشخصُ الذي بَثَّ الحادثة إلكترونياً فنشَر بها ما يدل على قلّة مواطنيةٍ تفترض أن تُظهر صورةَ لبنان في العالم بهيةً ناصعةً بين مواطنيه، على الأقل تعويضاً عما يجعلُه بعضُ سياسييه يتخبّط فيه من فسادٍ يتناقله العالم ويتنقّل خطرُه بين المواطنين.
المواطنية الصالحة: شعورُ كلّ مواطن أنه مسؤولٌ عن وطنه وسمعة وطنه وصورة وطنه في العالم.
والمواطنية الصالحة: قيامُ كلّ مواطن بما يضبُط انفعاله وأعصابه كي لا ينفلت من لسانه ما تُؤدّيه يداه أَو يُؤَجّجه صوتُه.
والمواطنية الصالحة: سَعْيُ كلّ مواطن إلى نشْر الــخَــيِّــر والجميل واللائق عن وطنه، لأن متن الوطن – تماماً كَمَتْـن الطائرة – يُـحلّق عليه المواطنون جميعاً عالِين صوب مطلع الشمس، أو يهبِطون عنه جميعاً ساقطين صوب قَعر اللُجَّة.
ولبنانُ، بفضل الـخَـيِّـرين فيه والصالحين، لم يكن يوماً سوى وطنٍ مُشْرقٍ بالريادة عند مَشْرِق كلّ فجر جديد.