هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

750: رؤيتنا الأشياء أو الكتابات

رؤيتنا الأشياء أو الكتابات
السبت 7 تموز 2012
-750-

في منطق الرؤية أَن تتغيَّرَ بين شخصٍ وآخَر وفْق المكان الذي يراها منه رائيها، أو وفْق النية التي يريد بها رائيها أن يراها. وما يصُحُّ على الرؤية يصُحُّ على تفسير كتابةٍ أو مشاهدة لوحةٍ أو قراءة شعار، فتتغيَّر الكتابة وتتبدَّل اللوحة ويتحوّر الشعار.
نموذجاً: عند صُدور شعار الدورة الثلاثين للألعاب الأُولِـمـﭙـية في لندن هذا العام (27 الجاري إلى 20 آب المقبل)، وهو يحمل الرقم 2012 في شكل فنتزيّ مؤسلَب تشكيلياً لأرقامه الأربعة، اعترضَت اللجنة الأُولِـمـﭙـية الإيرانية بكتابٍ لأمينها العام إلى رئيس اللجنة الأُولِـمـﭙـية الدولية أنّ تلك الأرقام الأربعة هي أيضاً الأحرف الأربعة لكلمة “زيون” أحد أسماء مدينة القدس في العبريّة. وهدَّد بمقاطعة إيران دورةَ لندن هذا العام إن لم يتغيَّر الشعار. وهو ما تم فعلاً وستدور الألعاب في العاصمة البريطانية من دون إيران.
وقام اعتراضٌ ثانٍ على تميمة الألعاب التي ظهر رسمُها بـعينٍ واحدة وهرَم على رأْسها، ما أعطى تفسيراً آخر لمن يناهضون الأهرام ورمزها، ومن يرون في العين الواحدة تفسيراً سياسياً.
وقام اعتراضٌ ثالث على الشعار بمقارنته مع أوراق الـ”إيلُّوميناتي” (لعبةٌ اجتماعية تتناول المجتمعات السرية المتنافسة على قيادة العالم) لأنّ بين رسوم أوراقها انهيار مبنى التجارة العالمي (11 أيلول) وانهيار البورصة في نيويورك، فرأى المعترضون في الشعار توارُداً بين ذينك الانهيارَين وإمكانِ حصول كارثةٍ خلال الألعاب الأُولِـمـﭙـية في لندن توقَّعتْها “تَنَبُّؤات” المنجّم ريك كلاي في آخر “تنجيماته” قبل إقدامه على الانتحار في ظروف غريبة وغامضة سنة 2008 عن 26 عاماً.
ثلاث قراءات لشعار واحد !
طبعاً لم تأخذ اللجنة الأُولِـمـﭙـية الدولية بأيٍّ من تلك الثلاث: رفضت اعتراض إيران، ولم تأبه لتفسيرات التميمة ولا لقراءات لاعبي الـ”إيلُّوميناتي”. وفي ردّ مقتضب لأمينها العام جاك روغ: “الشعار الملوّن يمثل أربعة أرقام سنة 2012، ولا شيء سواها. وهو مطروح منذ اختياره سنة 2007 ولم يعترض عليه أحد، فلماذا اليوم”؟
هذا واحدٌ من نماذج لا تُحصى لكيفية “قراءة” شعار أو نص أو لوحة أو كلام شفويّ.
الشاهد أنّ رؤيتنا الأشياء أو الكتابات، كما سماعنا كلاماً شفوياً في مناسبةٍ أو مكان، أمرٌ يتغيَّر تَلَقِّيه وفْق خلفية المتلقّي الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، فلا يبلُغ قصدَه أحياناً، أو قد يتعرّض صاحبه لفهم مغلوط ربما يؤدّي به إلى مهالك لا هو “رآها” ولا رمى إليها، بل أُسيء فهمُهُ ظُلماً.
وفي التاريخ نماذجُ كثيرةٌ من أولئك “المظلومين”.