هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

745: على خارطة الدول الكبرى في العالم

على خارطة الدول الكبرى في العالم
السبت 2 حزيران 2012
-745-

ما الذي تشعر به في بلدٍ ينهَض من جفاف الصحراء إلى نُضْرة الحضارة، وأَنت من بلدٍ عريق الحضارة يهبط به بعض ساسته إلى جفاف الصحراء؟
ما الذي يتفاعل داخلك في بلدٍ تبنيه دولتُه وطناً يستقطب العالم، وأنت من بلد يحوّله بعض ساسته إلى وطن بلا دولة يحترمها العالم؟
أَعود من أبو ظبي شاعراً بالمرارة على ما عندنا، وبالإعجاب على ما عاينتُ في بلادٍ أنشأَت على جزيرة صغيرةٍ من أَرضها بقعةً سَـمَّتْها: “المنطقة الثقافية في السعديات” ستَنْبُتُ فيها قريباً معالِم ثقافيةٌ “متواضعة”، منها: متحف غوغنهايم في نيويورك، متحف الـ”لوﭬـر” في باريس، مبنى فخم كبير للمسارح والفنون، مركز للثقافة العالمية، متحف بحري كبير، متحف زايد الوطني مؤسس الدولة وبانيها، وجميعُها بأحدث تصاميم حديثة عصرية وَضعَها، تكليفاً، كبار المصمّمين المعماريين في العالم.
وَضَعُوها تكليفاً؟ نعم. لأن في الإمارات جهازاً خاصاً لاستقبال “الأفكار الجديدة المبتَكَرة” إذا تبنَّاها كافأَ صاحبها جزيلاً وأَخذَت طريقها إلى التنفيذ أياً تكن كلفتُها. إنها، إذاً، حكومةٌ تُنفق من مواردها الوفيرة على مشاريع وفيرة لا لخدمة شعبها اليوم بل لخدمة غده ورفاه أولاده.
وللتنفيذ طقوسٌ تبدأ بتحديد مواعيد التسليم والإنْجاز والتدشين. قرأتُ في كتيّب “المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات – خطة أبو ظبي 2030”: “متحف اللوفر – 2013″، “متحف غوغنهايم – 2014”. وأخبرني مسؤول هناك أن بين مشاريع “خطة 2030” بلوغَ درجة “صِفْر حوادث سير سنة 2020″، ومشاريع ثقافية وعمرانية كبيرة يتم تدشينها في الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات (1971-2021).
ورشة كبرى هذه الإمارة تبدأ من أَسفل البنْية التحتية لتبلغ أعلى الأبراج، وكلُّه محسوبٌ وفق المخطط المرسوم لإنجازه.
الشاهدُ ليس الإشادة بما رأَيتُ، فالفعْل أصدق من القول والتنفيذ أصدق من التنظير. الشاهد: كيف تخطّط الدولة لغدِها وبعدِ غَدِها لشعبِها الذي يؤدّي واجباته كاملةً لينال حقوقه كاملةً من دون إضرابات واعتصامات وتهديدات.
الشاهد: بلدٌ لا يتبجّح بتاريخه وأَمجاده ولا يتغنّى بجغرافياه وطبيعته، بل يتمتّع بالنيّة على التخطيط، والإرادة على التنفيذ، والطموحِ أن يجعل مكانه مُشِعّاً على خارطة الدول الكبرى في العالم.
قبل مغادرة “معرض زايد”، لفتَتْني صورة لأبو ظبي سنة 1942: صحراءُ وخِيَامٌ وشمسٌ حارقة.
وحين خرجتُ من المعرض أَطلَّ عليّ برجٌ جميلٌ تنعكس عليه شمس 2012.
سبعون سنةً للانتقال من الصحراء إلى الأبراج.
ونحن، في سبعين سنةً، قد لا ننتقل من زحمة السير إلى… جسر جلّ الديب.