هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

737: في اليوم العالمي للشعر

في اليوم العالَمي للشعر
السبت 31 آذار 2012
-737-

في اليوم العالَـمي للشِعر (21 آذار) أصدرَت إيرينا بوكوﭬـا الأمينة العامة للأُونسكو بيانها السنويّ، وفيه أن الشِعر “أحدُ أرقى التعابير عن اللغة والثقافة…، عنصرٌ تتشكَّل منه هوية الشعوب، ويُسهم في تشكيل الهويات الشخصية كالموسيقى والرقص والفنون التشكيلية…، وهو- بموسيقاهُ واستعاراته وقواعده ولغته الشعرية – سورٌ متين يردع الإفقار الثقافي واللغويّ في العالم”.
هذا الاعتراف من مرجع دولي ولو من غير أهل الشِعر (بوكوﭬـا جاءت إلى الأمانة العامة من السياسة) ينشر ما للشِعر من فعْل في النفوس والعقول والشعوب، ترقيةً لـمداركها، رقيّاً لِـمستواها، وترقيقاً لمساحات الفروق بينها.
وإذا اللغةُ أداةُ التخاطب الوحيدةُ بين الشعوب، فالشِعر يُـخصب هذه اللغة بكل خَلْق جمالي رهيف يُغْني الحوار بين الحضارات والثقافات، وتالياً يرفع أرضيات الناس إلى عُليا مراتب السلام.
من هنا أنْ عند مفترق كلّ حضارة وفَجْرِ كلّ عصرٍ شاعرٌ يَطبع عصره فيُسْدي إلى شعبه خبزاً لقِيَمه والفضائل، ويُضيف على حضارة شعبه ركناً يوطّدها في تاريخ الحضارات. فهل يمكن المرور بتاريخ اليونان دون الوقوف على باب هوميروس، أو تاريخ فرنسا دون الوقوف عند قامة ﭬـيكتور هوغو، أو إيطاليا دون التوقُّف عند دانته، أو ألمانيا دون الانحناء لـِهامة غوته؟ إنّ شاعرَ عصرِهِ يواكب أحداث العصر بإضاءاتٍ رؤيويةٍ – والشِعرُ رؤيةٌ ورؤيا – ويُنبِّه شعبَه إلى ما يدهمه أو إلى ما عليه أن يكون.
هوذا هوغو فرنسا العظيم في قصيدته “رسالة الشاعر” (1848) يعلن: “الخلودُ لشعراء عباقرة يَسِمُون عصرهم وكلّ عصر”… “رسالتُكَ أيها الشاعر أَن تُنبّه وتبقى متّقد الذهن والفكر… مهما تنكّر لك الناس تظلُّ فيهم الصوتَ الوازع والبشيرَ الناصح والصوتَ الهادي…، قصائدكَ تُهدِّد الظُّلم، وتلتمع في العتمة، ويداكَ تحملان المشعل في حُلكة الليل تضيء لشعبكَ طريق المستقبل”.
صحيح: الشاعرُ الشاعرُ الذي وحده يجرؤ على اللغة يستولدُها ألفاظاً جديدة وتعابيرَ جديدة واشتقاقاتٍ جديدة، هو القادرُ على التغيير في مسار عصره صوب العدالة، واتجاه شعبه صوب الجمال، ومدخل المستقبل صوب حياة أفضل.
وجاءت اليوم وسائطُ التكنولوجيا والإلكترونيات تَزيد من رواج الشِعر فتجعلُه ضوءاً أمام كل بصير ووازعاً أمام كل بصيرة. من هنا دعوة الأُونسكو إلى “نشْر الشِعر في الأندية والمدارس والكتُب المدرسية والمجتمعات المدنيّة وعلى جدران الساحات العامة”…، قنديلاً جديداً متجدِّد الشُّعلة صوب فجر الجمال.
بلى: هو الشِعر، شريانُ التقارُب الثقافي والتفتُّح اللغوي.
وما أَهنأَهُ… مَن يغتذي مِن نُسْغ هذا الشريان.